الثاني أظهر ؛ فمن كان صبره مبدؤه من صبرهم كان أشدّ وأشرف من غيره.
ومنها : أن يبقى التفضيل في الخبرين على ظاهره ، والمفضّل عليه صبرهم عليهمالسلام ، و « من » على ظاهرها من التفضيل ، لكن في مقام البشريّة الحيوانيّة من حيث هي ، لا البشريّة الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة ، بل من حيث هي حيوانيّة ، وهي مرتبة شيعتهم العامّة التي يشترك فيها خاصّهم وعامّهم على الإطلاق ؛ من هو في أدنى أداني أوّل درجة من الإيمان ، ومن هو في أعلى أعالي الدرجة التاسعة منه ، فإنّ الذي يظهر للأوهام والنفوس الضعيفة أن صبر شيعتهم على ولايتهم مع أنّهم أُوذوا فيهم ، أو مع عدم علمهم بحقيقة نتيجة ذلك الصبر علماً يقينيّاً شفاهيّاً أشدّ من صبرهم عليهمالسلام على ولايتهم لشيعتهم وقبولهم لهم ، مع تقصيراتهم في شأنهم وفي أنفسهم ، وذلك لعدم أذاهم فيهم ، أو لشدّة علمهم بعاقبة صبرهم عليهم لهم ، وصبر شيعتهم.
فإنّ الأوهام والنفوس الضعيفة تعدّ صبر المريض المستيقن لحسن عاقبة العلاج أضعف من صبر المريض الذي لم يستيقن ذلك وإن شقّ العلاج وعسر. وكذلك صبر الطبيب المستيقن وغير المستيقن على النصر في العلاج مع خطره.
وهذا لا ينافي كون صبرهم أشدّ وأعلى وأشرف من كلّ صبر لسواهم على الإطلاق والعموم ؛ وذلك لأنه في معنى أن صبرهم على نفوسهم أخفّ وأسهل من صبر شيعتهم على نفوسهم أي أنّهم لا يجدون من ثقل التكليف بصبرهم على شيعتهم ما يجد شيعتهم من الثقل وشدّة الكلفة في صبرهم على ولايتهم وذلك لأنّهم أعلم بحسن النتيجة منهم ، بل لا علم لشيعتهم بحقيقتها بالنسبة لعلمهم ؛ ولذا قال : « على ما لا يعلمون ».
أو لأنّه في معنى أنّ صبر شيعتهم بجهتهم الإنسانية من حيث هي حيوانية ؛ لأنّ ذلك في الرتبة العامّة الجامعة لهم أشدّ من صبرهم من تلك الجهة ؛ لأنّهم الجامعون لجميع كمالات جميع مراتب الوجود ؛ فإنسانيّتهم من حيث هي حيوانيّة أضعف