الأول : أنه قد قام البرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً (١) على أنه ليس فوق رتبة وجود محمَّد صلىاللهعليهوآله : إلّا رتبة الوجوب الذاتيّ ، فهو نور الزيت الّذي يكاد أن يضيء ولو لم تمسّه نار المشيئة. فإمكانه مستهلك في وجوده ، لشدّة استنارته به ومناسبته (٢) له ، فهو أقوى إمكان ؛ لقابليّته لحمل هذا الوجود المطلق ، ولأنه ينبوع فوارة الإمكان على الإطلاق. فكلّ إمكان دونه هو مبدؤه ومنتهاه ، وبابه إلى الله ، وأضعف أنواع الإمكان من حيث هو إمكان لشدّة قربه من الوجود ، وقبوله لصفاته ولوازمه ، وهو الّذي له مع ربّه حالات هو فيها هو ، وهو هو ، وهو (٣) [ المخاطب (٤) ] عن الله جميع الخلائق بـ ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (٥).
فإذ ثبت أنه لا يمكن أن يكون لهم ربّان ، لا يمكن أن يقبل الإمكان مثل محمَّد صلىاللهعليهوآله : ؛ لأنه الّذي أقامه الله مقامه في كلّ مقام دليلاً على ذاته وصفاته ، وهو الواحد بكلّ معنًى فلا يكون أوّل صادر منه ، والدليل عليه الجامع لجميع الدلالات إلّا واحداً ، فهو مجمع الشؤون وجامع الصفات [ ومنقطعها (٦) ] وهو المثل الأعلى والاسم الأعظم الّذي استأثر الله به في علم الغيب عنده ولم يظهره لغيره من جميع الخلق ، فلا يعلمه إلّا هو.
ولا يمكن أن يكون للواحد المطلق مثلان ، فلو وسع عرصة الإمكان أن يكون لوجود محمَّد صلىاللهعليهوآله : مثل ، لما كان الواجب عزّ اسمه وتعالى واحداً بالوحدة الحقيّة ، بل كان فيه ضرب من التركيب سبحانه وتعالى ، فيؤول السؤال إلى أنه هل (٧) يكون الواجب ممكناً أم لا؟ والواحد من كلّ وجه مركّباً أم لا؟ فيكون ولا ينافي عموم قدرة الله
__________________
(١) انظر بحار الأنوار ١٦ : ٢٩٩ ـ ٤٠١ ، ب ١١.
(٢) إشارة لقوله تعالى : ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ). النور : ٣٥.
(٣) انظر شرح العرشية ٢ : ١٣٢.
(٤) في المخطوط : ( الخاطب ).
(٥) الأعراف : ٧٦.
(٦) في المخطوط : ( ومنقطتها ) ، ويحتمل أنه : ( ومنطقتها ).
(٧) في المخطوط بعدها : ( ان ).