نقول : لمّا حكم عليهالسلام بامتلاء اليدين بظلمة الذنوب ، وبامتلاء العينين بنور الرجاء ، ومشابهة كلّ منهما للآخر في صفته وأحكامها كمال المشابهة ، أشار إلى اتّحادهما بذلك بتوحيد الضمير. فإعادته عليهالسلام إليهما ضمير المفرد ؛ ليدلّ على هذا القانون ، وأن اليمين لمّا ملئت من الذنوب انسلخت عن وصف اليمينيّة وصانفت الشمال ، فحكم عليها أنها شمال ، فلا يمين لمن امتلأت يداه بالذنوب ، فوُحّد الراجع لهما باعتبار المصانفة.
وكذا الكلام في العينين ، فإنه لمّا امتلأتا بنور الرجاء أُلحقت الشمال باليمين ، وانسلخت بذلك عن وصف الشمالية فوُحّد الراجع لهما حينئذٍ باعتبار المصانفة ، حتّى كأنه لا شمال له. فمن هو كذلك لا يد يمين له ، ولا [ يد (١) ] شمال له ، بل كلّ منهما اتّحد بالأُخرى ضرباً من الاتّحاد يصدق عليهما بسببه نعت الوحدة ، فيعود عليه ضمير الواحد.
هذا وأنت إذا تدبّرت كلمات بلغاء العرب العرباء (٢) ، وجدتهم كثيراً ما [ يعيدون (٣) ] ضمير المفرد على كلّ ما في الرجل منه اثنان ، بل يعبّرون عنهما بالمفرد الظاهر ، ويشيرون لهما [ بما (٤) ] يشار به للمفرد ، فيقولون : هذا تحت يدك ، وبيدك وبعينك ، ومشى برجله ، وأشباه ذلك. فهو عليهالسلام لمّا قال : « هذه يداي » وأشار لهما بما يشار به للمفرد أعاد عليهما ضمير المفرد ، وسر كلّ ذلك تماثلهما كمال المماثلة فيما يستعملان فيه ، فكأنهما شيء واحد.
__________________
(١) في المخطوط : ( يمين ).
(٢) انظر فقه اللغة وسر العربيّة : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ / ٨١.
(٣) في المخطوط : ( يعودو ).
(٤) في المخطوط : ( ما ).