فإذن لهم قسط من ثواب العاملين ؛ لأنّهم عللهم ، وأعمالهم علل حسنات العاملين ، فهم عناصر [ الأبرار (١) ] ، الذات للذات والصفة للصفة ، فلهم القسط الأكمل من ثواب العاملين ، بل ثوابُ المحسنين فاضلُ ثوابهم على حسنة المحسنين. ففي الحقيقة جميع الحسنات حسناتهم ؛ لأنّها منهم بدأت وإليهم تعود بقدر رتبتها.
وأيضاً دعاؤنا لهم يلزمه الدعاء على أعدائهم بذهاب دولتهم وتطهير الأرض منهم ، فيؤدّي إلى طلب إظهار دولتهم ، فهو دعاء لنا ولهم ؛ لما فيه من سعادتنا بإظهار كلمة الحقّ ومحو الباطل. فلا بعد أن يزيدهم الله من فضله على حبّنا لهم ، وعلمنا وعملنا اللذين بهدايتهم ونورهم ، فكلّ ما في الوجود من كمال وجمال وجلال فهو لمعة من أنوارهم ، وأثرٌ من آثارهم ، بل الكلّ حكايتهم ذاتاً وصفة ، فهم المعنى والمسمّى ، وما سواهم الاسم والعبارة. فظهر أنه لا منافاة بين هذا وبين ما ذكر من الاعتبار في القول الأوّل ؛ لأنّا نسلّم أنه لا يصل لهم نفع بشفاعة الداعي ووساطته لهم ، بل على ما قرّرناه ، فلا منافاة.
وأمّا الجامعة فنقول بمقتضاها ، وليس فيها ما ينافي ما قرّرناه في القول الثاني. ثمّ نقول : إن صلاة المصلّي عليهم ، ودعاء الداعي لهم ، من حيث هو عمله وحسنته يختصّ نفعه به ؛ لأنه [ عمله لا عملهم (٢) ] ، ولأنّ كلّ ما يدعو به لهم من الكمالات وعوالي الدرجات فهو قد حصل لهم ، فطلبه لهم تحصيل حاصل.
ولو لم يكن حاصلاً لهم على أعلى درجة لزم ما مرّ في القول الأوّل من لزوم وجود واسطة لهم في حصول كمال وشفيع لهم ، فينقلب الرائس من كلّ وجه والأفضل من كلّ وجه مفضولاً ومرؤوساً بحال ، إلى غير ذلك من المفاسد المستحيلة ، ومن حيث إنّهم السبيل إليه بدءاً وعوداً ، والهداةُ إليه والأدلّاء عليه ، وهو من فاضل حسناتهم كما عرفت ، فلهم به النصيب الأوفى.
فظهر وجه الحصر في حديث ( الكافي ) بأن يراد اختصاص نفعه بنا من حيث هو
__________________
(١) في المخطوط : ( الابر ).
(٢) في المخطوط : ( علمه لا علمهم ).