فالضلال سبل ، والهدى سبيل واحد ( إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ ) ، أي للرحمة ( خَلَقَهُمْ ) (١) ، أي خلقهم من رحم الرحمة لمّا استعدّ لها وأخذ بأسبابها وسلك سبيل هدى الله ، فبقي على الفطرة الأُولى. فلعلّه سمّى اعوجاج فطرهم ، وتغيّر قوابلهم الاولى ، وانتكاس قلوبهم ، وامتدادهم من الجهل المركّب ، نسخاً لخلقهم الأوّل ، وهو الفطرة الاولى ، فذلك نسخ في حقائقهم وخلقهم ، لا في التكليف ولا لعلّة خلقهم.
فليس معناه النسخ المتعارف بين أهل الأُصول من رفع حكم الآية الأُولى بالأُخرى ؛ إذ ليس بين الآيتين تنافٍ.
ووجه آخر ، هو أن ظاهر الآية الأُولى إخبار عن الخلق أنّهم يعبدونه طرّاً ، والثانية إخبار عن عدم اتّفاقهم على ذلك ، وأن فيهم من لا يعبده.
ووجه آخر ، هو أن الآية الأُولى إخبار عن أن الجنّ والإنس يعبدونه طرّاً في مقام وإن اختلفت عبادتهم إخلاصاً ونفاقاً ، والثانية إخبار عن اختلافهم وإعلان بعضهم بسريرته.
ووجه آخر ، هو أن الآية الأُولى إخبار عن اتّفاقهم على عبادته بدلالة وجوداتهم على وحدانيّته والإقرار برسله ، والثانية إخبار عن اختلاف اختياراتهم في قبول التكليف التشريعيّ.
وفي كلّ هذا يصدق النسخ ، لا بالمعنى الأُصولي وإن تلازما بوجه ، والله العالم.
__________________
(١) هود : ١١٩.