ولله تعالى من وراء شمسنا المحسوسة شموس (١) ، ومن وراء عالمنا هذا اثنا عشر ألف عالم (٢) ، كلّها مرتبطة بهذا العالم ، ومرتبط بعضها ببعض ، ولكلّ منها شمس وقمر وأفلاك ، وحركات أفلاك هذا العالم متسبّبة عن حركات أفلاكها.
ومنها : أنه جاز أن يكون حركة الفلك تارة بطيئة وتارة مسرعة في يوم واحد ، أو يوماً ويوماً ، أو شهراً وشهراً ، أو سنةً وسنةً بحسب مقتضى عدل العادل وظلم الجائر ، والحسنات يذهبن السيّئات ، وقد سبقت رحمته غضبه. فلا أقلّ من جريه حينئذٍ على الاستقامة من غير ظهور إسراع ولا بطء حتّى تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ويغلب الجور ، فيجري الحكم على العموم الغالب دون النادر ، فيأتي الله بالفرج بظهور وليّ الأمر : والعدل ، فيتأنّى الفلك ويجري على الاستقامة والعدل ، وتظهر آثار برد الرحمة.
على أنه يمكن أن يراد بالعادل : نائب الله المعصوم ؛ لأنّ كلّ ملك سواه ظالم غاصب لمنصب المعصوم مبتزّ له ، فلا منافاة بين السرعة والبطء ؛ لاختلاف سنيّ ظهور الدولتين. فالله سبب من لا سبب له ، والفلك مطيع أبداً ، ولا دليل على استحالة قبول الفلك لغير هذه الحركة المعهودة المرصودة. وممّا قرّرناه يظهر الجواب عن الثاني ، فتأمّله.
وأمّا الوجه الأخير ، فالإسراع والبطء لا [ ينافيان (٣) ] ظهور التساوي والتشابه في حركات الأيّام بحسب مقتضى كلّ زمان. [ و ] نمنع استحالة التغيّر في الحركة ووجوب التشابه من أوّل الخلق إلى آخره ؛ فإنّ حركات الأفلاك طاعات اختياريّة ، وعلى القول بأنها طبيعيّة أو قسريّة ، فلله بحسب حكمته أن يبدّل الطبيعة ويعكس القسر ؛ لأنه [ المطبّع (٤) ] والقاسر لها ، فلا ضرر في ذلك ولا يفسد به نظام الكون ؛ لأنّ نظامه بمقتضى حكمة الحكيم ، وتغييره من مقتضاها ، والله العالم.
__________________
(١) انظر بصائر الدرجات : ٤٩٣ / ٩.
(٢) انظر الخصال ٢ : ٤٩٠ / ٦٨ ، أبواب الاثني عشر.
(٣) في المخطوط : ( ينافي ).
(٤) في المخطوط : ( المطيع ).