ويمهل للظالم حلماً ورحمةً لغيره ، فجاز حينئذٍ أن يأمر الملك بالإبطاء بحركة الفلك ، بمقتضى عدل العادل ، ويمهل للظالم.
ومنها : أنه جاز أن يبطئ بحركته على قوم ويسرع على قوم بحسب اختلاف آفاقهم وأقاليمهم ، وهذا لا ينافي تشابه حركته في ذاته أعني : الكلّيّة والله على كلّ شيء قدير. ولا يستلزم هذا فساد شيء من عالم الكون والفساد ؛ فإنّ الله تعالى سبب من لا سبب له ، ومسبّب الأسباب من غير سبب ، فجاز أن يقيم سبباً مقام سبب.
وإن أردت كسر سَورة الاستبعاد فتأمّل في حركة الشمس تجدها تختلف سرعة وبطئاً بحسب اختلاف الآفاق في برج واحد ، بل في يوم واحد ، بل في أُفق واحد ، بحسب ساعات النهار ، وانظر إلى الخمسة المتحيّرة ، تجدها تارة مقيمة وأُخرى مستقيمة ، وطوراً راجعة مع تشابه حركتها الكلّيّة في ذاتها أبداً. فإذا علمت أن النهار الواحد يكون في أُفقٍ خمسَ ساعات مثلاً ، وفي آخرَ خمس عشرة ساعة ، فلا تستنكر هذا بل ما ذكرناه يجري بحسب قدرة الله وحكمته ، فتأمّله.
ومنها : جواز أن يراد بالفلك : غير الجسمانيّ ، وبالأيّام والشهور والسنين : غير المعروفة ، بل يراد بها فلك وأيّام وشهور وسنون غيبيّة ، هي غيب هذه وأُصولها ومبادئها وعللها الغيبيّة ، فإنّ عند الله أيّاماً ولياليَ وشهوراً وسنين غير ما يعرف أكثر الناس ( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (١).
( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (٢).
فجاز ، بل لا بدّ لها من أفلاك من جنسها ، فجاز إرادتها من الحديث الشريف ، فلا بعد في اختلاف فلكي العادل والجائر وأيّامهما سرعةً وبطئاً وطولاً وقصراً. وليس هذا أحد وجهي ما نقله السيّد عن معاصره بحسب الظاهر.
__________________
(١) الحجّ : ٤٧.
(٢) التوبة : ٣٦.