وإن أُريد بالموضع المحلّ الذي يصحّ إيقاع ذلك الفعل فيه كما هو الظاهر منه أشكل في كثير من هذه الموارد أيضاً ؛ فإنّ التكبير حالته التي يقع فيها القيام ، فما لم يهو إلى الركوع هو قائم ، والقراءة حالتها القيام أيضاً ، فالأخذ في الهويّ يسيراً يفوّت حالته المجوّزة للقراءة ، فيلزم عدم العود إليها. وكذا القول في التشهّد بالنسبة إلى الأخذ في القيام.
ويمكن تقرير النصّين بوجهٍ ثالث ، وهو : أن يقال : إنّ محلّ كلّ فعل يزول بالدخول في فعلٍ آخر حقيقيّ ذاتيّ ، وهو الفعل المعهود شرعاً ، المعدود عند الفقهاء فعلاً لها ، كالتكبير والقيام والقراءة والركوع والسجود والتشهّد ، وأمّا ما هو مقدّمة لها كالهويّ إلى الركوع وإلى السجود والنهوض إلى القيام فليس من الأفعال المعهودة شرعاً ، وإنّما هو من مقدّمات الواجب ، فلا يعدّ الدخول فيها دخولاً في فعل من أفعال الصلاة ، ولهذا لا يعدّها الفقهاء أفعالاً عند عدّ الأفعال ، فلا ينافي ذلك خبر زرارة «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره» (١) ولعلّ هذا هو السرّ في قوله عليهالسلام : «ثمّ دخلت في غيره» بعد قوله : «خرجت من شيء» إذ لو لم تكن هنا واسطة ، كان الخروج من الشيء موجباً للدخول في الآخر ، فلا يحسن الجمع بينهما عاطفاً بـ «ثمّ» الموجبة للتعقيب المتراخي.
وحينئذٍ نقول : إذا شكّ في النيّة وقد كبّر أو في أثناء التكبير ، لم يلتفت ؛ لما قرّرناه في باب النيّة من عدم وجوب استحضارها فعلاً إلى آخره ، وهو فعل حقيقيّ. وكذا لو شكّ في التكبير وقد شرع في القراءة ، أمّا لو شكّ في القراءة وقد أخذ في الركوع ولم يصل إلى حدّه ، رجع ؛ لعدم الوصول إلى فعلٍ من أفعال الصلاة ، وإنّما هو مشتغل بمقدّمة الواجب الذي لا يتمّ إلا بها. وكذا لو شكّ في الركوع قبل وضع الجبهة على الأرض وما في حكمها ، أو في التشهّد في أثناء النهوض ، أو في السجود كذلك حيث لا تشهّد بعده ؛ لأنّ الواجب الذاتي هو القيام الذي لا يتحقّق إلا بكمال الانتصاب ، والنهوض إليه مقدّمة له.
والموجب للمصير إلى هذا التوجيه الجمع بين صحيحة (٢) زرارة ، المقتضية لعدم العود متى خرج من فعل ودخل في غيره ، ومثله صحيحة (٣) إسماعيل بن جابر وخبر (٤)
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٣١ ، الهامش (١).
(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٣١ ، الهامش (١).
(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٩٢٨ الهامش (٨).
(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٩٢٨ ، الهامش (٤) وقد سبق أن قلنا : في المصدر : عبد الرحمن بن أبي عبد الله.