ومسافر عشرين ، فإنّه يصدق عليه زيادة السفر على الحضر ، مع أنّ فرضه القصر إجماعاً. قال : بل الأولى أن يقال : أن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام سفراً (١) ، كما تضمّنته الروايات السابقة.
وما ذكره من الأولويّة غير ظاهر ؛ لعدم انحصار المتمّ سفراً في مَنْ ذُكر ، فلا تكون العبارة مفيدةً للمقصود ، فإنّ العاصي بسفره وطالب الآبق مع تماديه في السفر وكلّ مَنْ لم يقصد المسافة مع وصوله إليها أو قبل وصوله يصدق عليه أنّه متمّ سفراً ، وليس مقصوداً هنا.
إذا تقرّر ذلك ، فالمعتبر في لحوق الحكم هنا صدق اسم مَنْ ذُكر في هذه الروايات على مَنْ سافر ، وكذا مَنْ في معناهم ؛ إذ ليس في الأخبار تحديد بسفرات معيّنة ، بل الحكم معلّق على الوصف ، فيثبت معه كيفما حصل ، وهو يتحقّق في السفرة الثالثة التي لا تتخلّل بينها إقامة العشرة قطعاً. ولو صدق بأقلّ من ثلاث ، ثبت الحكم أيضاً.
وفصّل ابن إدريس بعد أن ردّها إلى العرف ، فاعتبر الثلاثة في غير المكاري والملاح والتاجر والأمير ، وحَكَم فيهم بالإتمام بمجرّد السفر ؛ محتجّاً بأنّ صنعتهم تقوم مقام مَنْ لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره (٢).
واستقرب المصنّف في المختلف (٣) ثبوت الحكم بالمرّتين مطلقاً ، فيخرج في الثالثة متمّا. وهو الظاهر من عبارته هنا وفي أكثر كتبه ، كما يرشد إليه قوله : «والضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام» فإنّ مَنْ سافر مرّة ولم يقم في بلده بعدها عشرة ثمّ سافر يصدق عليه ذلك ، وحيث لا دلالة في النصوص على اعتبار عددٍ معيّن بل صدق الاسم توجّه الاكتفاء بسفرتين خصوصاً لمتّخذه صنعةً ، لكن توقّف الإتمام على الخروج إلى الثالثة أوضح خصوصاً على ما اشتهر من أنّ العلّة الموجبة لذلك هي كثرة السفر ، وهو الذي نقله العلامة قطب الدين الرازي عن المصنّف. والضابط حينئذٍ أن يسافر إلى مسافة ثلاث مرّات بحيث يتجدّد حكم الإتمام بعد كلّ واحدة من الأُوليين ، ولا يقيم عقيب واحدة منهما عشرة أيّام
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٤٧٢.
(٢) السرائر ١ : ٣٣٦ ٣٤٠.
(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٥٣٢ ، ذيل المسألة ٣٩١.