في بلده مطلقاً أو في غير بلده مع نيّة الإقامة ، فإنّه يصير في الثالثة كثير السفر ، ويلزمه فيها الإتمام ، ويستمرّ متمّا إلى أن يقيم في بلده عشرةً أو في غير بلده مع النيّة ، فإذا أقام ذلك ، انتفى عنه الوصف ، ورجع إلى التقصير في السفر ، وتوقّف الحكم السابق على ثلاثة مستأنفة وهكذا.
ويتحقّق تعدّد السفرات بوصوله من كلّ سفرة إلى بلده أو ما في حكمه ، فإنّ ذلك انفصال بينها حسّيّ وشرعيّ.
وهل يتحقّق بالانفصال الشرعيّ خاصّةً ، كما لو تعدّدت مواطنه في السفرة المتّصلة بحيث يكون بين كلّ موطنين منها والآخر مسافة ، أو نوى الإقامة في أثناء المسافة عشراً ولمّا يقمها؟ وجهان : من تحقّق الانفصال الشرعيّ ، وهو أقوى من الحسّيّ في أمثال ذلك ، ومن ثَمَّ اشترطت المسافة ، ومن عدم صدق التعدّد عرفاً.
هذا كلّه إذا كان في نيّته ابتداءً تجاوز الوطنين وموضع الإقامتين ، أمّا لو عزم على الوطن الأوّل خاصّةً فلمّا وصل إليه عزم على الآخر ، فاحتسابهما سفرتين أقوى.
وعلى التقديرين لا فرق بين كون السفرة الثانية صوب المقصد أم لا.
ورجّح الشهيد في الذكرى تعدّد السفرات في صورة الإقامة وإن لم تكن الإقامة في نيّته ابتداءً ، وفصّل في الوطن ، فأوجب التعدّد مع تجدّد قصد تجاوز الوطن بعد الوصول إليه ، والاتّحاد مع قصد التجاوز ابتداءً (١) ؛. وهو حسن.
والفرق بين موضع الإقامة والوطن : أنّ نيّة الإقامة تقطع السفر حسّا وشرعاً ، والخروج بعد ذلك سفرة جديدة ، بخلاف الوطن ؛ فإنّه فاصل شرعاً لا حسّا.
ولو كان الخروج بعد أحد الأمرين إلى وطنه الأوّل بمعنى العود إليه ، ففي احتسابه سفرةً ثانية الوجهان.
وهل يشترط في فصل نيّة الإقامة الصلاةُ تماماً ، أم يكفي مجرّد النيّة؟ يحتمل الأوّل ؛ لتوقّف تمام الفصل عليه ، ومن ثَمَّ كان الرجوع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة موجباً للعود إلى القصر ، وهو يدلّ على عدم تماميّة السبب الموجب للقطع. ولما تقدّم من أنّ الفارق بينه وبين الوطن هو قطع السفر الحسّيّ ، ولم يتحقّق.
__________________
(١) انظر : الذكرى ٤ : ٣٠٩ ٣١٠.