لو بايع الحُسينُ يزيد الفاسق المستهتر الذي أباح الخمر والزنا ، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات ، وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود خلاخل من ذهب ومئات الآلوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان.
لو بايع الحُسينُ يزيد أن يكون خليفة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) على هذا الوضع لكانت فتيا من الحُسين بإباحة هذا للمسلمين ، وكان سكوته هذا أيضاً رضى ، والرضا من ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الإسلاميّة. والحُسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية المسؤولة في الجزيرة العربية ، بل في البلاد الإسلاميّة كافة عن حماية التراث الإسلامي لمكانته في المسلمين ، ولقرابته من رسول ربّ العالمين ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين كان أعظم المسلمين في ذلك الوقت علماً وزهداً وحسباً ومكانة. فعلى هذا الوضع أحس بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدّها ، ولا سيّما إنّ الذي يضع هذه المنكرات ويشجّع عليها هو الجالس في مقعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا أولاً.
وثانياً : أنّه (عليه السّلام) جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفاً من الخطابات من ثلاثين ألف من العراقيين من سكّان البصرة والكوفة يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة يزيد بن معاوية ، وألحّوا تكرار هذه الخطابات حتّى قال رئيسهم عبد الله بن الحصين الأزدي : يا حُسين سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلبِّ طلبنا وتقوم بنجدة الإسلام ، وكيف والحُسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينيه ، كيف لا يقوم بتلبية النداء؟ وعلى هذا الوضع لبّى النداء كما تأمر به الشريعة الإسلاميّة ، وتوجّه نحو العراق (١).
__________________
(١) الثائر الأوّل في الإسلام / ٧٩.