صاحبهم فانظر إليه ، ثمّ اخرج إليهم فأعلمهم أنّه حيّ. وخرج شريح فدخل على هانئ فلمّا بصر به صاح مستجيراً :
يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟! أين أهل الدين ، أين أهل المصر؟! أيُحذرونني عدوّهم (١). وكان قد سمع الأصوات وضجيج الناس ، فالتفت إلى شريح (٢) قائلاً :
يا شريح ، إنّي لأظنها أصوات مذحج وشيعتي مِن المسلمين ، إنّه إنْ دخل عليّ عشرة أنفر أنقذوني (٣).
وخرج شريح وكان عليه عين لابن زياد ؛ مخافة أنْ يدلي بشيء على خلاف رغبات السلطة فيفسد عليها أمرها ، فقال لهم :
قد نظرت إلى صاحبكم وإنه حيّ لمْ يُقتل. وبادر عمرو بن الحجّاج فقال : إذا لمْ يُقتل فالحمد لله (٤). وولّوا منهزمين كأنّما اُتيح لهم الخلاص مِن السجن وهم يصحبون العار والخزي ، وظلّوا مثالاً للخيانة والجبن على امتداد التاريخ.
وفيما أحسب أنّ هزيمة مذحج بهذه السرعة ، وعدم تأكدها مِنْ سلامة زعيمها جاءت نتيجة اتّفاق سرّيٍّ بين زعماء مذحج وبين ابن زياد للقضاء على
__________________
(١) في رواية الطبري : (أيخلّوني وعدوهم).
(٢) شريح القاضي ينتمي لإحدى بطون كندة ، جاء ذلك في الكامل للمبرد / ٢١.
(٣) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧١ ، وجاء في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥١ أنّ هانئاً قال لشريح : يا شريح اتّقِ الله ، فإنّه قاتلي.
(٤) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧١.