وكلّ باطن غيره غير ظاهر (١) ، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوّف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ندّ مثاور (٢) ، ولا شريك مكابر ، ولا ضدّ منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون (٣) ، لم يحلل فى الأشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن (٤) لم يؤده خلق ما ابتدأ (٥) ولا تدبير ما ذرأ (٦) ، ولا وقف به عجز عمّا خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدّر (٧) ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم (٨) : المأمول مع
__________________
(١) الباطن هنا غيره فيما سبق ، أى : كل ما هو ظاهر بوجوده الموهوب من اللّه سبحانه فهو باطن بذاته ، أى : لا وجود له فى نفسه ، فهو معدوم بحقيقته ، وكل باطن سواه فهو بهذا المعنى ، فلا يمكن أن يكون ظاهرا بذاته ، بل هو باطن أبدا
(٢) الند ـ بكسر النون ـ النظير ، والمثل ، ولا يكون إلا مخالفا ، وجمعه أنداد ، مثل حمل وأحمال ، ويقال : فلان ند فلان ، أى : نظيره ويقال : فلانة ند فلانة ، ولا يقال : فلانة ند فلان. والمثاور : المواثب والمحارب. والشريك المكاثر : أى المفاخر بالكثرة ، هذا إذا قرئ بالثاء المثلثة. ويروى المكابر ـ بالباء الموحدة ـ أى : المفاخر بالكبر والعظمة ، و «الضد المنافر» أى المحاكى فى الرفعة والحسب ، يقال : نافرته فى الحسب فنفرته ، أى : غلبته وأثبت رفعتى عليه
(٣) مربوبون : أى مملوكون ، وداخرون : أذلاء ، من قولهم «دخر» ـ من باب قطع وعلم ـ دخرا ـ بالتحريك ـ ودخورا ، أى ذل وصغر ، وفى التنزيل «سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ» أى : مقهورين أذلاء
(٤) «لم ينأ عنها» أى : لم ينفصل انفصال الجسم حتى يقال هو بائن ، أى : منفصل
(٥) «يؤده» أى : لم يثقله ، تقول : آده الأمر يؤوده ، أودا ـ مثل قال يقول قولا ـ أى : أثقله ، وأتعبه ، وبلغ منه الجهد ، وفى التنزيل «وَلاٰ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا»
(٦) ذرأ ـ كقطع ـ أى : خلق
(٧) ولجت عليه : دخلت
(٨) أى محتوم ، وأصله من «أبرم الحبل» جعله طاقين ، ثم فتله. وبهذا أحكمه