إلى أمره ، مهطعين إلى معاده (١) رعيلا صموتا ، قياما صفوفا ، ينفذهم البصر (٢) ويسمعهم الدّاعى ، عليهم لبوس الاستكانة (٣) ، وضرع الاستسلام والذّلّة قد ضلّت الحيل ، وانقطع الأمل ، وهوت الأفئدة كاظمة (٤) ، وخشعت الأصوات مهينمة ، وألجم العرق ، وعظم الشّفق ، وأرعدت الأسماع لزبرة الدّاعى إلى فصل الخطاب (٥) ومقايضة الجزاء ، ونكال العقاب ، ونوال الثّواب ، عباد مخلوقون اقتدارا ، ومربوبون اقتسارا (٦) ، ومقبوضون
__________________
(١) «مهطعين» أى : مسرعين إلى معاده ، سبحانه ، الذى وعد أن يعيدهم فيه. وقوله : «رعيلا صموتا» الرعيل : القطعة من الخيل ، شبههم فى تلاحق بعضهم ببعض برعيل الخيل ـ أى : الجملة القليلة منها ـ لأن الاسراع لا يدع أحدا منهم ينفرد عن الآخر ، فان الانفراد من الابطاء ، ولا يدعهم يجتمعون جما ، فان التضام والالتفاف إنما يكون من الاطمئنان
(٢) «ينفذهم البصر» يجاوزهم ، أى : يأتى عليهم ويحيط بهم ، أى : لا يعزب واحد منهم عن بصر اللّه
(٣) اللبوس ـ بالفتح ـ : ما يلبس ، والاستكانة : الخضوع ، والضرع ـ بالتحريك ـ : الوهن والضعف والخشوع ، هذا لو جعلنا «عليهم» متعلقا بمحذوف خبر عن «لبوس وضرع» ، فان جعلناه متعلقا بالداعى ـ بمعنى : المنادى والصائح عليهم ـ جعلنا لبوس جملة مبتدأة ويكون «لبوس» جمع لابس ، وضرع ـ محركة ـ اسم جمع للضريع بمعنى الذليل
(٤) «هوت الأفئدة» خلت من المسرة والأمل من النجاة ، «كاظمة» أى : ساكنة كاتمة لما يزعجها من الفزع ، و «مهينمة» أى : متخافية ، والهينمة : الكلام الخفى ، و «ألجم العرق» كثر حتى امتلأت به الأفواه لغزارته فمنعها من النطق ، وكان كاللجام ، والشفق ـ محركة ـ الخوف
(٥) أرعدت : عرتها الرعدة ، و «زبرة الداعى» : صوته وصيحته ، ولا يقال «زبرة» إلا إذا كان فيها زجر وانتهار ، فانها واحدة الزبر ـ أى : الكلام الشديد ـ والمقايضة : المعاوضة ، أى : مبادلة الجزاء الخير بالخير ، والشر بالشر
(٦) «مربوبون» : مملوكون ، والاقتسار : الغلبة والقهر ،