عمرها ، بأبدان قائمة بأرفاقها (١) وقلوب رائدة لأرزاقها ، فى مجلّلات نعمه (٢) وموجبات مننه ، وحواجز عافية ، وقدّر لكم أعمارا سترها عنكم ، وخلّف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم ، من مستمتع خلاقهم ، ومستفسح خناقهم أرهقتهم المنايا دون الآمال ، وشذّ بهم عنها تخرّم الآجال ، لم يمهدوا فى سلامة الأبدان ، ولم يعتبروا فى أنف الأوان (٣) ، فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حوانى الهرم؟ وأهل غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم؟ وأهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء (٤) مع قرب الزّيال (٥) وأزوف الانتقال ، وعلز القلق ، وألم المضض ، وغصص الحرض ، وتلفّت الاستغاثة بنصرة الحفدة والأقرباء
__________________
حال من الأعضاء وملاءمة الأعضاء للجهات التى وضعت فيها : أن يكون العضو فى تلك الجهة أنفع منه فى غيرها : فتكون العين فى موضعها المعروف أنفع من كونها فى قمة الرأس مثلا. وقوله «تركيب صورها» أى : آتية فى صورها المركبة ، كما تقول ركب فى سلاحه ، أى : متسلحا
(١) الأرفاق جمع رفق ـ بالكسر ـ : المنفعة ، أو ما يستعان به عليها ، و «رائدة» أى : طالبة
(٢) مجللات ـ على صيغة اسم الفاعل ـ من «جلله» بمعنى غطاه ، أى : غامرات نعمه ، يقولون : سحاب مجلل ، أى : يطبق الأرض
(٣) الخلاق : النصيب الوافر من الخير ، والخناق ـ بالفتح ـ : حبل يخنق به ، وبالضم : داء يمتنع معه نفوذ النفس. وأرهقتهم : أعجلتهم ، وأنف ـ بضمتين ـ يقال : أمر أنف ، أى : مستأنف لم يسبق به قدر. والأنف أيضا : المشية الحسنة ، وتقدير الكلام : خلف لكم عبرا من القرون الماضية : منها تمتعهم بنصيبهم من الدنيا ثم فناؤهم ، ومنها فسحة خناقهم وطول إمهالهم ثم كانت عاقبتهم الهلكة
(٤) البضاضة : رخص الجلد ورقته وامتلاؤه. والغضارة : النعمة والسعة والخصب
(٥) الزيال : مصدر زايله مزايلة وزيالا ، أى : فارقه