سنّها بالماء حتّى خلصت. ولاطها بالبلّة حتّى لزبت (١) فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول (٢) وأعضاء وفصول : أجمدها حتّى استمسكت وأصلدها حتّى صلصلت (٣) لوقت معدود ، وأمد معلوم ، ثمّ نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها (٤) ، وفكر يتصرّف بها ، وجوارح يختدمها (٥) ،
__________________
ما ملح من الأرض. وأشار باختلاف الأجزاء التى جبل منها الانسان إلى أنه مركب من طباع مختلفة ، وفيه استعداد للخير والشر ، والحسن والقبيح.
(١) سن الماء : صبه. والمراد صب عليها ، أو «سنها» هنا بمعنى ملسها كما قال : ـ
ثم خاصرتها إلى القبة الخض |
|
راء تمشى فى مرمر مسنون |
وقوله «حتى خلصت» أى : صارت طينة خالصة ، وفى بعض النسخ «حتى خضلت» بتقديم الضاد المعجمة على اللام ، أى : ابتلت ولعلها أظهر : لاطها : خلطها وعجنها ، أو هو من لاط الحوض بالطين : ملطه وطينه به ، والبلة ـ بالفتح ـ من البلل. ولزب ـ ككرم ـ : تداخل بعضه فى بعض وصلب ، ومن باب نصر بمعنى التصق وثبت واشتد.
(٢) الأحناء : جمع حنو وهو ـ بالكسر والفتح ـ : كل ما فيه اعوجاج من البدن كعظم الحجاج ، واللحى ، والضلع ، أو هى الجوانب مطلقا. وجبل : أى خلق.
(٣) أصلدها : جعلها صلبة ملساء متينة ، وصلصلت : يبست حتى كانت تسمع لها صلصلة إذا هبت عليها رياح ، وذلك هو الصلصال ، واللام فى قوله «لوقت» متعلقة بمحذوف ، كأنه قال : حتى يبست وجفت معدة لوقت معلوم. ويمكن أن تكون متعلقة بجبل ، أى : جبل من الأرض هذه الصورة ولا يزال يحفظها لوقت معدود ينتهى يوم القيامة.
(٤) مثل ، ككرم : قام منتصبا. والأذهان : قوى التعقل ، ويجيلها : يحركها فى المعقولات.
(٥) يختدمها : يجعلها فى مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم فى خدمتك