آثاركم (١) وعلّم أعمالكم ، وكتب آجالكم ، وأنزل عليكم الكتاب تبيانا لكلّ شىء ، وعمّر فيكم نبيّه أزمانا (٢) حتّى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الّذى رضى لنفسه ، وأنهى إليكم ، على لسانه ، محابّه من الأعمال ومكارهه (٣) ونواهيه وأوامره ، فألقى إليكم المعذرة ، واتّخذ عليكم الحجّة ، وقدّم إليكم بالوعيد ، وأنذركم بين يدى عذاب شديد ، فاستدركوا بقيّة أيّامكم ، واصبروا لها أنفسكم (٤) ، فإنّها قليل فى كثير الأيّام الّتى تكون منكم فيها الغفلة والتّشاغل عن الموعظة ، ولا ترخّصوا لأنفسكم فتذهب بكم الرّخص فيها مذاهب الظّلمة (٥) ولا تداهنوا فيهجم بكم (٦) الإدهان على المصيبة.
__________________
(١٠ ـ ن ـ ج ـ ١) بالأتية والرضيخة ولاية مصر
(١) بين لكم أعمالكم وحددها
(٢) عمر نبيه : مد فى أجله
(٣) محابه : مواضع حبه ، وهى الأعمال الصالحة
(٤) «اصبروا أنفسكم» اجعلوا لأنفسكم صبرا فيها ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : «وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰاةِ وَاَلْعَشِيِّ» ويقال : «صبر فلان نفسه على كذا» أى : حبسها عليه ، يتعدى فينصب بنفسه
(٥) الظلمة : جمع ظالم ، وقد نهى عن الأخذ برخص المذاهب لأنه لا يجوز للواحد من العامة أن يقلد كلا من ائمة الهدى فيما خف وسهل من الأحكام الشرعية. وقد يكون مراده : لا تساهلوا أنفسكم فى ترك تشديد المعصية ، ولا تسامحوها وترخصوا لها فى ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب فتهجم بكم على الكبائر ، لأن من مرن على أمر تدرج من صغيرة إلى كبيرة ، فتسوء العاقبة ، وتقعوا فيما وقع فيه الظلمة من قبلكم
(٦) المداهنة : النفاق ، والمصانعة : إظهار خلاف ما فى الطوية ، والادهان : مثله وقال اللّه تعالى : «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»