الكتاب عليك فرضه ولا فى سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وأئمّة الهدى أثره ، فكل علمه إلى اللّه سبحانه ، فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك. واعلم أنّ الرّاسخين فى العلم هم الّذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ، الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب (١) فمدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التّعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا ، فاقتصر على ذلك ، ولا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين : هو القادر الّذى إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته (٢) وحاول الفكر المبرّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه فى عميقات غيوب ملكوته (٣) وتولّهت القلوب إليه (٤) لتجرى فى كيفيّة صفاته (٥) وغمضت مداخل العقول فى حيث لا تبلغه الصّفات لتناول علم ذاته (٦) ردعها وهى تجوب مهاوى سدف الغيوب (٧) متخلّصة إليه ، سبحانه ، فرجعت
__________________
(١) السدد : جمع سدة ، وهى باب الدار ، والاقرار : فاعل «أغناهم»
(٢) ارتمت الأوهام : ذهبت أمام الأفكار كالطليعة لها ، ومنقطع الشىء : ما إليه ينتهى
(٣) «مبرأ ـ الخ» أما الملابس لهذه الخطرات فمعلوم أنه لا يصل إلى شىء لوقوفه عند وساوسه.
(٤) تولهت القلوب إليه : اشتد عشقها حتى أصابها الوله ـ وهو الحيرة ـ وقوى ميلها لمعرفة كنهه
(٥) لتجرى الخ : لتجول ببصائرها فى تحقيق كيف قامت صفاته بذاته ، أو كيف اتصف سبحانه بها
(٦) «وغمضت ـ الخ» أى : خفيت طرق الفكر ودقت ، وبلغت فى الخفاء والدقة إلى حد لا يبلغه الوصف
(٧) «ردعها ـ الخ» جواب للشرط فى قوله «إذا ارتمت ـ الخ» وردعها : كفها (١١ ـ ن ـ ج ـ ١) وردها ، والمهاوى : المهالك ، والسدف ـ بضم ففتح ـ جمع سدفة ، وهى القطعة من الليل المظلم ، وجبهت : من جبهه إذا ضرب جبهته ، والمراد ردت بالخيبة