الّذى ليس له بعد فيكون شىء بعده ، والرّادع أناسىّ الأبصار عن أن تناله أو تدركه (١) ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ، ولا كان فى مكان فيجوز عليه الانتقال ، ولو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال (٢) وضحكت عنه أصداف البحار ، من فلزّ اللّجين والعقيان (٣) ونثارة الدّرّ وحصيد المرجان ما أثّر ذلك فى جوده ، ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر الإنعام ما لا تنفده مطالب الأنام (٤) ، لأنّه الجواد الّذى لا يغيضه سؤال السّائلين (٥) ولا يبخله إلحاح الملحّين. فانظر أيّها السّائل فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به (٦) ، واستضئ بنور هدايته ، وما كلّفك الشّيطان علمه ممّا ليس فى
__________________
(١) أناسى : جمع إنسان ، وإنسان البصر : هو ما يرى وسط الحدقة ممتازا عنها فى لونها
(٢) أبدع الامام فى تسمية انفلاق المعادن عن الجواهر تنفسا ، فان أغلب ما يكون من ذلك ، بل كله ، عن تحرك المواد الملتهبة فى جوف الأرض إلى الخارج ، وهى فى تبخرها أشبه بالنفس ، كما أبدع فى تسمية انفتاح الصدف عن الدر ضحكا
(٣) الفلز ـ بكسر الفاء واللام ـ الجوهر النفيس ، واللجين : الفضة الخالصة ، والعقيان : ذهب ينمو فى معدنه ، ونثارة الدر ـ بالضم ـ منثوره ، وفعالة ـ بالضم ـ فاش كثير الورود فيما كان موضوعا للجيد المختار : كالخلاصة ، أو الساقط المتروك : كالقلامة ، وحصيد المرجان : محصوده يشير إلى أن المرجان نبات ، وقد حققته كاشفات الفنون جديدها وقديمها
(٤) أنفده : بمعنى أفناه ، ونفد ـ كفرح ـ أى : فنى
(٥) يغيض ـ بفتح حرف المضارعة ـ من «غاض» المتعدى يقال : غاض الماء لازما ، وغاضه اللّه متعديا. ويقال : أغاضه أيضا ، وكلاهما بمعنى أنقصه وأذهب ما عنده ، ويبخله ـ بالتخفيف ـ من «أبخلت فلانا» وجدته بخيلا. أما بخله ـ بالتشديد ـ فمعناه رماه بالبخل
(٦) «ائتم به» أى : اتبعه فصفه كما وصفه اقتداء به