خلقه ، حزونة معراجها (١) ، ناداها بعد إذ هى دخان فالتحمت عرى أشراجها وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها (٢). وأقام رصدا من الشّهب الثّواقب على نقابها (٣) وأمسكها من أن تمور فى خرق الهواء بأيده (٤) ، وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره ، وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها (٥) وقمرها آية ممحوّة
__________________
(١) الهابطين والصاعدين : الأرواح العلوية والسفلية ، والحزونة : الصعوبة ، وقوله «ناداها ـ الخ» : رجوع إلى بيان بعض ما كانت عليه قبل النظم ، يقول : كانت السموات هباء مائرا أشبه بالدخان منظرا ، وبالبخار مادة ، فتجلى من اللّه فيها سر التكوين فالتحمت عرى أشراجها ، والأشراج : جمع شرج بالتحريك ـ : وهو العروة ، وهى مقبض الكوز والدلو وغيرهما ، وتقول «أشرجت العيبة» أى : أقفلت أشراجها ، وتسمى مجرة السماء شرجا ، تشبيها بشرج العيبة ، وأشراج الوادى ما انفسح منه ، على التشبيه ، وأشار باضافة العرى للاشراج إلى أن كل جزء من مادتها عروة للآخر يجذبه إليه ليتماسك به ، فكل ماسك وكل ممسوك : فكل عروة ، وله عروة.
(٢) بعد أن كانت جسما واحدا فتق اللّه رتقه ، وفصلها إلى أجرام بينها فرج وأبواب ، وأفرغ ما بينها بعد ما كانت صوامت ، أى : لا فراغ فيها
(٣) النقاب : جمع نقب ، وهو الخرق ، «والشهب الثواقب» أى : الشديدة الضياء والرصد : القوم يرصدون كالحرس. وكون الرصد من الشهب فى أصل تكوين الخلقة كما قال الامام : دليل على ما أثبته العلم من أن الشهب مغذيات لبعض أجرام الكواكب بما نظمه لها من التفاتق ، فما نقب وخرق من جرم عوض بالشهاب ، وذلك أمر آخر غير ما جاء فى الكتاب العزيز فما جاء فى الكتاب بمعنى آخر.
(٤) «وأمسكها من أن تمور» أى : تضطرب فى الهواء «بأيده» أى : بقوته : «وأمرها أن تقف» أى : تلزم مراكزها لا تفارق مداراتها ، لا بمعنى أن تسكن.
(٥) «مبصرة» أى : جعل شمس هذه الأجرام السماوية مضيئة يبصر بضوئها مدة النهار كله دائما