كريما ميلاده. وأهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة ، وأهواء منتشرة وطوائف متشتّتة ، بين مشبّه للّه بخلقه أو ملحد فى اسمه ، أو مشير إلى غيره (١) ، فهداهم به من الضّلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. ثمّ اختار سبحانه لمحمّد صلّى اللّه عليه وسلّم لقاءه ، ورضى له ما عنده ، وأكرمه عن دار الدّنيا ، ورغب به عن مقارنة البلوى ، فقبضه إليه كريما صلّى اللّه عليه وآله وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء فى أممها ـ إذ لم يتركوهم هملا : بغير طريق واضح ، ولا علم قائم (٢) كتاب ربّكم فيكم : مبيّنا حلاله وحرامه (٣) وفرائضه وفضائله ، وناسخه
__________________
(١) الملحد فى اسم اللّه : الذى يميل به عن حقيقة مسماه ، فيعتقد فى اللّه صفات يجب تنزيهه عنها ، والمشير إلى غيره : الذى يشرك معه فى التصرف إلها آخر فيعبده ويستعينه
(٢) العلم ـ بفتحتين ـ ما يوضع ليهتدى به ، أى : أن الأنبياء لم يهملوا أممهم مما يرشدهم بعد موت أنبيائهم ، وقد كان من محمد صلى اللّه عليه وسلم مثل ما كان منهم ، فانه خلف فى أمته كتاب اللّه تعالى حاويا لجميع ما يحتاجون إليه فى دينهم.
(٣) حلاله كالأكل من الطيبات ، وحرامه كأكل أموال الناس بالباطل ، وفرائضه كالزكاة أخت الصلاة ، وفضائله كنوافل الصدقات التى يعظم الأجر فيها ولا حرج على من لا يؤديها ، وناسخه : ما جاء قاضيا بمحو ما كان عليه الضالون من العقائد ، أو إزالة السابق من الأحكام لحكمة إلهية اقتضت تغييره وإن خفيت على بعض العقول كقوله تعالى : «قُلْ لاٰ أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ» الآية ، ومنسوخه ما كان حكاية عن تلك الأحكام كقوله : «وَعَلَى اَلَّذِينَ هٰادُوا حَرَّمْنٰا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» الآية ، ورخصه كقوله : «فَمَنِ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ» وعزائمه كقوله : «وَلاٰ تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اَللّٰهِ عَلَيْهِ» وخاصه كقوله : «وَاِمْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا» الآية ، وكقوله «يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اَللّٰهُ لَكَ» وعامه ،