عسى المجرى إلى الغاية أن يجرى إليها (١) حتّى يبلغها ، وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه؟ وطالب حثيث يحدوه فى الدّنيا حتّى يفارقها (٢)؟ فلا تنافسوا فى عزّ الدّنيا وفخرها ، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها ، ولا تجزعوا من ضرّائها وبؤسها ، فإنّ عزّها وفخرها إلى انقطاع ، وإنّ زينتها ونعيمها إلى زوال وضرّاءها وبؤسها إلى نفاد (٣) ، وكلّ مدّة فيها إلى انتهاء ، وكلّ حىّ فيها إلى فناء ، أوليس لكم فى آثار الأوّلين مزدجر (٤) وفى آبائكم الأوّلين تبصرة ومعتبر ، إن كنتم تعقلون؟! أولم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون؟ وإلى الخلف الباقين لا يبقون؟ أولستم ترون أهل الدّنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتّى : فميّت يبكى ، وآخر يعزّى ، وصريع مبتلى ، وعائد يعود ، وآخر بنفسه يجود (٥) وطالب للدّنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه؟؟!! وعلى أثر الماضى ما يمضى الباقى ألا فاذكروا هاذم اللّذّات ، ومنغّص الشّهوات ، وقاطع الأمنيّات ، عند المساورة للأعمال القبيحة (٦) واستعينوا اللّه على أداء واجب حقّه ،
__________________
(١) الذى يجرى فرسه إلى غاية معلومة ، أى مقدار من الجرى يلزمه حتى يصل لغايته
(٢) يحدوه : يتبعه ، ويسوقه فى بعض النسخ «وطالب حثيث من الموت يحدوه ، ومزعج فى الدنيا عن الدنيا حتى يفارقها ، فلا تنافسوا الخ»
(٣) فناء
(٤) مكان للانزجار والارتداع
(٥) من «جاد بنفسه» إذا قارب أن يقضى نحبه ، كأنه يسخو بها ويسلمها إلى خالقها
(٦) «عند» متعلق باذكروا ، والمساورة المواثبة ، كأن العمل القبيح ـ لبعده عن ملاءمة الطبع الانسانى بالفطرة الالهية ـ ينفر من مقترفه كما ينفر الوحش فلا يصل إليه المغبون إلا بالوثبة عليه ، وهو ـ فى غائلته على مجترمه ـ كالضاريات من الوحوش : فهو يثب على مواثبه ليهلكه ، فما ألطف التعبير بالمساورة فى هذا الموضع