محيص عنك ، وأنت الموعد لا منجى منك إلاّ إليك ، بيدك ناصية كلّ دابّة ، وإليك مصير كلّ نسمة ، سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك ، وما أصغر عظمه فى جنب قدرتك ، وما أهول ما نرى من ملكوتك ، وما أحقر ذلك فيما غاب عنّا من سلطانك ، وما أسبغ نعمك فى الدّنيا ، وما أصغرها فى نعيم الآخرة. منها : من ملائكة أسكنتهم سمواتك ، ورفعتهم عن أرضك ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوفهم لك ، وأقربهم منك ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم يضمّنوا الأرحام ، ولم يخلقوا من ماء مهين (١) ولم يشعبهم ريب المنون (٢) وإنّهم ـ على مكانهم منك ، ومنزلتهم عندك ، واستجماع أهوائهم فيك ، وكثرة طاعتهم لك ، وقلّة غفلتهم عن أمرك ـ لو عاينوا كنه ما خفى عليهم منك لحقروا أعمالهم ، ولزروا على أنفسهم (٣) ، ولعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك ، ولم يطيعوك حقّ طاعتك ، سبحانك خالقا ومعبودا : بحسن بلائك عند خلقك (٤) خلقت دارا ،
__________________
(١) المهين : الحقير ، يريد النطفة
(٢) المنون : الدهر ، والريب : صرفه ، أى : لم تفرقهم صروف الزمان
(٣) زرى عليه ـ كرمى ـ عابه
(٤) البلاء : يكون نعمة ويكون نقمة ويتعين الأول باضافة الحسن إليه ، أى : ما عبدوك إلا شكرا لنعمك عليهم