وفيم أذهب دهره ، ويتذكّر أموالا جمعها : أغمض فى مطالبها (١) وأخذها من مصرّحاتها ومشتبهاتها ، قد لزمته تبعات جمعها (٢) وأشرف على فراقها : تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ، ويتمتّعون بها ، فيكون المهنأ لغيره (٣) والعبء على ظهره (٤). والمرء قد غلقت رهونه بها (٥) فهو يعضّ يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره (٦) ، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيّام عمره ، ويتمنّى أنّ الّذى كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه! فلم يزل الموت يبالغ فى جسده حتّى خالط لسانه سمعه (٧) ، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ، ولا يسمع بسمعه : يردّد طرفه بالنّظر فى وجوههم يرى حركات ألسنتهم ، ولا يسمع رجع كلامهم. ثمّ ازداد الموت التياطا (٨) فقبض بصره كما قبض سمعه ، وخرجت الرّوح من جسده فصار جيفة بين أهله : قد أوحشوا من جانبه ، وتباعدوا من
__________________
(١) أغمض : لم يفرق بين حلال وحرام كأنه أغمض عينيه فلا يميز ، أو «أغمض» أى : طلبها من أدق الوجوه وأخفاها ، فضلا عن أظهرها وأجلاها
(٢) تبعاتها ـ بفتح فكسر ـ : ما يطالبه به الناس من حقوقهم فيها ، وما يحاسبه به اللّه : من منع حقه منها ، وتخطى حدود شرعه فى جمعها
(٣) المهنأ : ما أتاك من خير بلا مشقة
(٤) العبء : الحمل ، والثقل
(٥) غلقت رهونه : استحقها مرتهنها ، وأعوزته القدرة على تخليصها ، كناية عن تعذر الخلاص
(٦) أصحر له : إذا برز فى الصحراء ، أى : على ما ظهر له وانكشف من أمره
(٧) «خالط لسانه سمعه» : شارك السمع اللسان فى العجز عن أداء وظيفته
(٨) «التياطا» أى : التصاقا به