قربه ، لا يسعد باكيا ، ولا يجيب داعيا. ثمّ حملوه إلى محطّ فى الأرض ، وأسلموه فيه إلى عمله ، وانقطعوا عن زورته (١) حتّى إذا بلغ الكتاب أجله والأمر مقاديره ، وألحق آخر الخلق بأوّله ، وجاء من أمر اللّه ما يريده : من تجديد خلقه ، أماد السّماء وفطرها (٢) ، وأرجّ الأرض وأرجفها ، وقلع جبالها ونسفها ودكّ بعضها بعضا من هيبة جلالته ، ومخوف سطوته ، وأخرج من فيها فجدّدهم على أخلاقهم (٣) وجمعهم بعد تفرّقهم ، ثمّ ميّزهم لما يريد من مسألتهم عن خفايا الأعمال ، وخبايا الأفعال ، وجعلهم فريقين : أنعم على هؤلاء ، وانتقم من هؤلاء : فأمّا أهل طاعته فأثابهم بجواره ، وخلّدهم فى داره ، حيث لا يظعن النّزّال ، ولا يتغيّر لهم الحال ، ولا تنوبهم الأفزاع (٤) ولا تنالهم الأسقام ، ولا تعرض لهم الأخطار ، ولا تشخصهم الأسفار (٥) ، وأمّا أهل المعصية فأنزلهم شرّ دار ، وغلّ الأيدى إلى الأعناق ، وقرن النّواصى بالأقدام ، وألبسهم سرابيل القطران (٦) ومقطّعات النّيران (٧) فى عذاب قد اشتدّ حرّه
__________________
(١) زيارته
(٢) «أماد» جواب «إذا بلغ الكتاب ـ الخ» وأمادها : حركها على غير انتظام ، وفطرها : صدعها
(٣) أخلاقهم ـ بالفتح ـ : من قولهم «توب أخلاق» إذا كانت الخلوقة شاملة له كله ، والخلوقة : البلى ، وتقول : خلق الثوب ـ بالضم ـ فهو خلق ـ بوزان بطل وحسن ـ أى : بلى ، و «أخلق الثوب» بالهمز لغة فيه ، وتقول «أخلقه صاحبه» فذو الهمزة لازم ومتعد
(٤) لا تنوبهم الأفزاع : جمع فزع ـ بفتحتين ـ بمعنى الخوف
(٥) أشخصه : أزعجه
(٦) السربال : القميص ، والقطران : معروف
(٧) المقطعات : كل ثوب يقطع كالقميص والجبة ونحوها ، بخلاف ما لا يقطع كالازار والرداء ، والمقطعات أشمل للبدن ، وأشد استحكاما فى احتوائه