تعلمون ـ بأنّكم تاركوها ، وظاعنون عنها ، واتّعظوا فيها بالّذين قالوا : (من أشدّ منّا قوّة) حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا (١) وأنزلوا الأجداث (٢) فلا يدعون ضيفانا ، وجعل لهم من الصّفيح أجنان (٣) ومن التّراب أكفان (٤) ومن الرّفات جيران (٥) فهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما ، ولا يبالون مندبة : إن جيدوا لم يفرحوا (٦) وإن قحطوا لم يقنطوا : جميع وهم آحاد ، وجيرة وهم أبعاد ، متدانون لا يتزاورون (٧) وقريبون لا يتقاربون حلماء قد ذهبت أضغانهم ، وجهلاء قد ماتت أحقادهم ، لا يخشى فجعهم (٨) ولا يرجى دفعهم ، استبدلوا بظهر الأرض بطنا ، وبالسّعة ضيقا ، وبالأهل غربة ، وبالنّور ظلمة ، فجاءوها كما فارقوها (٩) حفاة عراة ، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدّائمة ، والدّار الباقية ، كما قال سبحانه : «كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنٰا إِنّٰا كُنّٰا فٰاعِلِينَ»
__________________
(١) لا يقال لهم ركبان ، جمع راكب ، لأن الراكب من يكون مختارا وله التصرف فى مركوبه
(٢) القبور
(٣) الصفيح : وجه كل شىء عريض ، والمراد وجه الأرض ، والأجنان : جمع جنن ـ محركة ـ : وهو القبر
(٤) لأن أكفانهم تبلى ، ولا يغشى أبدانهم سوى التراب
(٥) الرفات : العظام المندقة المحطومة
(٦) جيدوا : مطروا
(٧) متقاربون لا يزور بعضهم بعضا.
(٨) لا تخاف منهم أن يفجعوك بضرر
(٩) جاءوا إلى الأرض ، واتصلوا بها ، بعد ما فارقوها ، وانفصلوا عنها ، فى بدء خليقتهم ، فانهم خلقوا منها كما قال تعالى : «مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَفِيهٰا نُعِيدُكُمْ» وقوله : «قد ظعنوا عنها» يشير إلى أنهم بعد الموت يذهبون بأرواحهم : إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، كما يرشد إليه الاستشهاد بالآية