ومدّة تنقطع انقطاع السّير؟! اجعلوا ما افترض اللّه عليكم من طلبكم (١) واسألوه من أداء حقّه ما سألكم ، وأسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. إنّ الزّاهدين فى الدّنيا تبكى قلوبهم وإن ضحكوا ، ويشتدّ حزنهم وإن فرحوا ، ويكنر مقتهم أنفسهم وإن اغتبطوا بما رزقوا (٢) قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال ، وحضرتكم كواذب الآمال ، فصارت الدّنيا أملك بكم من الآخرة ، والعاجلة أذهب بكم من الآجلة وإنّما أنتم إخوان على دين اللّه : ما فرّق بينكم إلاّ خبث السّرائر ، وسوء الضّمائر : فلا توازرون ، ولا تناصحون ، ولا تبادلون ، ولا توادّون!! ما بالكم تفرحون باليسير من الدّنيا تملكونه ، ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه ، ويقلّقكم اليسير من الدّنيا يفوتكم حتّى يتبيّن ذلك فى وجوهكم وقلّة صبركم عمّا زوى منها عنكم (٣)؟؟!! كأنّها دار مقامكم ، وكأنّ متاعها باق عليكم!! وما يمنع أحدكم أن يستقبل أخاه بما يخاف من عيبه إلاّ مخافة أن يستقبله بمثله ، قد تصافيتم على رفض الآجل ، وحبّ العاجل ، وصار دين أحدكم لعقة على لسانه (٤)
__________________
(١) مطلوبكم ، أى : اجعلوا الفرائض من مطالبكم التى تسعون إليها ، واسألوا اللّه أن يمنحكم ما سألكم من أداء حقه ، أى : أى يمن عليكم بالتوفيق لأداء حقه
(٢) اغتبطوا : غبطهم غيرهم بما آتاهم اللّه من الرزق.
(٣) قلة صبركم : عطف على وجوهكم. وزوى : من «زواه» إذا نحاه
(٤) عبر باللعقة عن الاقرار باللسان مع ركون القلب إلى مخالفته