جيران (١). نومهم سهاد ، وكحلهم دموع ، بأرض عالمها ملجم ، وجاهلها مكرّم.
ومنها يعنى آل النبى عليه الصلاة والسلام :
موضع سرّه ، ولجأ أمره (٢) ، وعيبة علمه (٣) ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه : بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه (٤)
ومنها يعنى قوما آخرين :
زرعوا الفجور ، وسقوه الغرور ، وحصدوا الثّبور (٥) ، لا يقاس بآل
__________________
(١) خير دار : هى مكة المكرمة ، وشر الجيران : عبدة الأوثان من قريش. وقوله «نومهم سهاد الخ» كما تقول فلان جوده بخل وأمنه مخافة ، فهم فى أحداث أبدلتهم النوم بالسهر والكحل بالدمع. والعالم ملجم لأنه لو قال حقا والجمهور على الباطل لا نتاشوه ونهشوه ، والجاهل مكرم لأنه على شاكلة العامة مشايع لهم فى أهوائهم : فمنزلته عندهم منزلة أوهامهم وعاداتهم ، وهى فى المقام الأعلى من نفوسهم ، وهذه الأوصاف كلها لتصوير حال الناس فى الجاهلية قبل بعثة النبى صلى اللّه عليه وسلم
(٢) اللجأ ـ محركة ـ : الملاذ وما تلتجىء إليه كالوزر ـ محركة ـ ما تعتصم به
(٣) العيبة ـ بالفتح ـ : الوعاء. والموئل : المرجع أى : أن حكمه وشرعه يرجع اليهم وهم حفاظ كتبه ـ يحوونها كما تحوى الكهوف والغيران ما يكون فيها. والكتب القرآن ، وجمعه لأنه فيما حواه كجملة ما تقدمه من الكتب ، ويزيد عليها ما خص اللّه به هذه الأمة
(٤) كنى بانحناء الظهر عن الضعف ، وباقامته عن القوة. وبهم آمنه من الخوف الذى ترتعد منه الفرائص
(٥) جعل ما فعلوا من القبائح كزرع زرعوه ، وما سكنت إليه نفوسهم من الامهال واغترارهم بذلك بمنزلة السقى ، فان الغرور يبعث على مداومة القبيح والزيادة فيه ، ثم كانت عاقبة أمرهم