رسل السّماء إلاّ البشر (١)
٢١ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
فإنّ الغاية أمامكم (٢) وإنّ وراءكم السّاعة تحدوكم ، تخفّفوا تلحقوا (٣) فإنّما تنتظر بأوّلكم آخركم (٤) قال الشريف أقول : إن هذا الكلام لو وزن ، بعد كلام اللّه سبحانه وبعد كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، بكل كلام لمال به راجحا ، وبرّز عليه سابقا. فأما قوله عليه السّلام «تخففوا تلحقوا» فما سمع كلام أقل منه مسموعا ولا أكثر محصولا وما أبعد غورها من كلمة ، وأنقع نطفتها من حكمة (٥) ، وقد نبهنا فى كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها
__________________
(١) رسل السماء : الملائكة ، أى : إن قلتم لم يأتنا عن اللّه شىء فقد أقيمت عليكم الحجة بتبليغ رسول اللّه وإرشاد خليفته.
(٢) الغاية : الثواب أو العقاب ، والنعيم والشقاء. فعليكم أن تعدوا للغاية ما يصل بكم إليها ، ولا تستبطئوها فان الساعة التى تصيبونها فيها ـ وهى يوم القيامة ـ آزفة إليكم فكأنها ـ فى تقربها نحوكم وتقليل المسافة بينها وبينكم ـ بمنزلة سائق يسوقكم إلى ما تسيرون إليه
(٣) سبق سابقون بأعمالهم إلى الحسنى ، فمن أراد اللحاق بهم فعليه أن يتخفف من أثقال الشهوات وأوزار العناء فى تحصيل اللذات ، ويحفز بنفسه عن هذه الفانيات فيلحق بالذين فازوا بعقبى الدار. وأصله الرجل يسعى وهو غير مثقل بما يحمله يكون أجدر أن يلحق الذين سبقوه
(٤) أى : أن الساعة لا ريب فيها ، وإنما ينتظر بالأول مدة لا يبعث فيها حتى يرد الآخرون وينقضى دور الانسان من هذه الدنيا ولا يبقى على وجه الأرض أحد فتكون الساعة بعد هذا ، وذلك يوم يبعثون
(٥) من قولهم ماء ناقع ونقيع أى ناجع ، أى إطفاء العطش. والنطفة : الماء الصافى