وافرين (١) ما نال رجلا منهم كلم ، ولا أريق لهم دم ، فلو أنّ امرءا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندى جديرا ، فيا عجبا ـ واللّه ـ يميت القلب ويجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم فقبحا لكم وترحا (٢) حين صرتم غرضا يرمى : يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى اللّه وترضون ، فاذا أمرتكم بالسّير إليهم فى أيّام الصّيف قلتم هذه حمارّة القيظ (٣) أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ (٤) وإذا أمرتكم بالسّير إليهم فى الشّتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ (٥) أمهلنا ينسلخ عنّا البرد ، كلّ هذا فرارا من الحرّ والقرّ ، فأنتم واللّه من السّيف أفرّ ، يا أشباه الرّجال ولا رجال! حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحجال (٦) لوددت أنّى لم أركم ولم أعرفكم!
__________________
(١) وافرين : تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم ، والكلم ـ بالفتح ـ الجرح
(٢) ترحا ـ بالتحريك ـ أى : هما وحزنا أو فقرا ، والغرض : ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها. فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون وهم نصب لا يدفعون وقوله «ويعصى اللّه» : يشير إلى ما كان يفعله قواد جيش معاوية من السلب والنهب والقتل فى المسلمين والمعاهدين. ثم أهل العراق راضون بذلك إذ لو غضبوا لهموا بالمدافعة
(٣) حمارة القيظ ـ بتشديد الراء ، وربما خففت فى ضرورة الشعر ـ شدة الحر
(٤) التسبيخ ـ بالخاء المعجمة ـ التخفيف والتسكين
(٥) صبارة الشتاء بتشديد الراء : شدة برده ، والقر ـ بالضم ـ البرد ، وقيل : هو برد الشتاء خاصة ، أما البرد فعام فيه وفى الصيف ، وتقول : قر يومنا ـ من باب ضرب ـ أى : برد ، وتقول قر فلان ـ مبنى لما لم يسم فاعله ـ قرا ـ بفتح القاف وكسرها ـ إذا أصابه القر وهو البرد
(٦) حجال : جمع حجلة وهى القبة ، وموضع يزين بالستور ، والثياب (٥ ـ ن ـ ح ـ ١) للعروس ، وربات الحجال : النساء