النّصف ، ألا وإنّى قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرّا وإعلانا ، وقلت لكم : أغزوهم قبل أن يغزوكم فو اللّه ما غزى قوم فى عقر دارهم إلاّ ذلّوا (١) فتواكلتم ، وتخاذلتم حتّى شنّت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان. وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار (٢) وقد قتل حسّان بن حسّان البكرىّ وأزال خيلكم عن مسالحها (٣) ولقد بلغنى أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها (٤) ما تمنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام (٥) ثمّ انصرفوا
__________________
وسيم الخسف ، أى : أولى الخسف وكلفه ، والخسف : الذل والمشقة أيضا. والنصف بالكسر وبالتحريك ـ العدل ومنع مجهول ، أى : حرم العدل بأن يسلط اللّه عليه من يغلبه على أمره فيظلمه
(١) عقر الدار ـ بالضم ـ وسطها وأصلها. وتواكلتم وكل كل منكم الأمر إلى صاحبه ، أى : لم يتوله أحد منكم. بل أحاله كل على الآخر ومنه يوصف الرجل بالوكل ، أى : العاجز ، لأنه يكل أمره إلى غيره. وشنت الغارات : فرقت عليكم من كل جانب كما يشن الماء متفرقا دفعة بعد دفعة. وما كان إرسالا غير متفرق يقال فيه : سن بالمهملة
(٢) أخو غامد : هو سفيان بن عوف ، من بنى غامد ، قبيلة من اليمن من أزد شنوءة ، بعثه معاوية لشن الغارات على أطراف العراق تهويلا على أهله ، والأنبار : بلدة على الشاطىء الشرقى للفرات ويقابلها على الجانب الغربى هبت
(٣) جمع مسلحة ـ بالفتح ـ وهى الثغر والمرقب حيث يخشى طروق الأعداء ، وفى الحديث : «كان أدنى مسالح مسالح فارس إلى العرب العذيب»
(٤) المعاهدة الذمية ، والحجل ، بالكسر ، وبالفتح وبكسرتين ـ خلخالها ، والقلب ، بالضم كقفل : سوارها. والرعاث : جمع رعثة ـ بالفتح ويحرك ـ بمعنى القرط. ويروى رعثها ـ بضم الراء والعين ـ جمع رعاث ، وجمع رعثة
(٥) الاسترجاع : ترديد الصوت بالبكاء. والاسترحام : أن تناشده الرحم