بين شريد نادّ (١) ، وخائف مقموع ، وساكت مكعوم ، وداع مخلص ، وثكلان موجع. قد أخملتهم التّقيّة (٢) وشملتهم الذّلّة ، فهم فى بحر أجاج ، أفواههم ضامزة (٣) ، وقلوبهم قرحة ، وقد وعظوا حتّى ملّوا (٤) ، وقهروا حتّى ذلّوا ، وقتلوا حتّى قلّوا. فلتكن الدّنيا فى أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقراضة الجلم (٥) واتّعظوا بمن كان قبلكم ، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم ، وارفضوها ذميمة ، فإنّها رفضت من كان أشغف بها منكم (٦)
__________________
أبصارهم عن مطامع الدنيا خوفا من الآخرة وتذكرا لمعادهم فهؤلاء لا يعرفون عند العامة ، وإنما يتعرف أحوالهم أمثالهم ، فكأنهم فى نظر الناس ليسوا بناس.
(١) الناد : الهارب من الجماعة إلى الوحدة ، والمقموع : المقهور. والمكعوم : من «كعم البعير» شد فاه لئلا يأكل أو يعض ، وما يشد به كعام ككتاب. والثكلان : الحزين
(٢) أخمله : أسقط ذكره حتى لم يعد له بين الناس نباهة. والتقية : اتقاء الظلم باخفاء الحال ، والأجاج : الملح : أى : أنهم فى الناس كمن وقع فى البحر الملح لا يجد ما يطفىء ظمأه أو ينقع غلته
(٣) ضامزة : ساكنة ، من «ضمز يضمز» بالزاى المعجمة ـ كنصر وضرب ـ سكت يسكت. والقرحة ـ بفتح فكسر ـ المجروحة
(٤) أى : أنهم أكثروا من وعظ الناس حتى ملهم الناس وسئموا من كلامهم
(٥) الحثالة ـ بالضم ـ : القشارة وما لا خير فيه ، وأصله ما يسقط من قشر الشعير والأرز والتمر وكل ذى قشر إذا نقى. والقرظ ـ محركة ـ ورق السلم أو ثمر السنط يدبغ به ، والجلم ـ بالتحريك ـ مقراض يجز به الصوف ، وقراضته : ما يسقط منه عند القرض والجز. وإنما طالبهم باحتقار الدنيا بعد التقسيم المتقدم لما ثبت من أن الدنيا لم تصف إلا للأشرار. أما المتقون الذين ذكرهم فانهم لم يصيبوا منها إلا العناء ، وكل ما كان من شأنه أن يأوى إلى الأشرار ويجافى الأخيار فهو أجدر بالاحتقار
(٦) أى : من كان أشد تعلقا بها منكم