المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا ، وممّا لك عند اللّه عوضا ، ومنهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة ، ولا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا : قد طامن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمّر من ثوبه ، وزخرف من نفسه للأمانة ، واتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية (١) ، ومنهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه (٢) ، وانقطاع سببه ، فقصرته الحال على حاله ، فتحلّى باسم القناعة ، وتزيّن بلباس أهل الزّهادة ، وليس من ذلك فى مراح ولا مغدى. وبقى رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع (٣) ، وأراق دموعهم خوف المحشر ، فهم
__________________
يطلب الامارة وما هى من حقه ، ويجهر بذلك فهو مصلت لسيفه ـ أى : سال له ـ على أعناق الذين لا يسمعون لسلطان الباطل ، والمعلن : المظهر ، والمجلب بخيله : من «أجلب القوم» أى : جلبوا وتجمعوا من كل أوب للحرب ، والرجل : جمع راجل ، كالركب جمع راكب والصحب جمع صاحب ، وهو قليل ، و «أشرط نفسه» أى : هيأها وأعدها للشر والفساد فى الأرض ، أو للعقوبة وسوء العاقبة و «أوبق دينه» أهلكه. والحطام : المال ، وأصله ما تكسر من اليبس. ينتهزه : يغتنمه أو يختلسه ، والمقنب : طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، وإنما يطلب قود المقنب تعززا على الناس وكبرا ، وفرع المنبر ـ بالفاء ـ أى علاه وفى علو المنبر والخطبة على الناس من الرفعة ما يبعث على الطلب فهذا القسم قد أضاع دينه وأفسد الناس فى طلب هذه الشهوات المذكورة.
(١) الذريعة : الوسيلة ، وهذا قسم ثالث
(٢) الضؤولة ـ بالضم ـ : الضعف ، وهذا هو القسم الرابع ، وليس من الزهادة فى ذهاب ولا إياب ، أى : لا فعل ولا ترك
(٣) هذا قسم خامس للناس مطلقا ، والأقسام الأربعة للناس المعروفين الواقعين تحت نظر العامة. فقوله فيما سبق : «فالناس أربعة أصناف» إنما يريد به الذين يعرفهم النظر الجلى ناسا ، أما الرجال الذين غضوا