أمّا بعد ، فإنّ معصية النّاصح الشّفيق العالم المجرّب تورث الحيرة ، وتعقب النّدامة. وقد كنت أمرتكم فى هذه الحكومة أمرى ونخلت لكم مخزون رأيى (١) لو كان يطاع لقصير أمر (٢) فأبيتم علىّ إباء المخالفين الجناة ، والمنابذين العصاة ، حتّى ارتاب النّاصح بنصحه (٣) وضنّ الزّند بقدحه ،
__________________
(١) الحكومة : حكومة الحكمين : عمرو بن العاص ، وأبى موسى الأشعرى وذلك بعد ما وقف القتال بين على أمير المؤمنين ومعاوية بن أبى سفيان فى حرب صفين سنة سبع وثلاثين من الهجرة ، فان جيش معاوية لما رأى أن الدبرة تكون عليه رفعوا المصاحف على الرماح يطلبون رد الحكم إلى كتاب اللّه ، وكانت الحرب أكلت من الفريقين ، فانخدع القراء وجماعة تتبعوهم من جيش على ، وقالوا : دعينا إلى كتاب اللّه ونحن أحق بالاجابة إليه ، فقال لهم أمير المؤمنين : إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها ليرجعوا إلى حكمها ، إنهم يعرفونها ولا يعملون بها ، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة! أعيرونى سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا ، فخالفوا واختلفوا ، فوضعت الحرب أوزارها وتكلم الناس فى الصلح وتحكيم حكمين يحكمان بما فى كتاب اللّه ، فاختار معاوية عمرو ابن العاص ، واختار بعض أصحاب أمير المؤمنين أبا موسى الأشعرى ، فلم يرض أمير المؤمنين واختار عبد اللّه بن عباس فلم يرضوا ، ثم اختار الأشتر النخعى فلم يطيعوا ، فوافقهم على أبى موسى مكرها بعد أن أعذر فى النصيحة لهم فلم يذعنوا ، فقد نخل لهم ، أى أخلص رأيه فى الحكومة أولا وآخرا. ثم انتهى أمر التحكيم بانخداع أبى موسى لعمرو بن العاص وخلعه أمير المؤمنين ومعاوية ثم صعود عمرو بعده وإثباته معاوية وخلعه أمير المؤمنين. وأعقب ذلك ضعف أمير المؤمنين وأصحابه.
(٢) هو مولى جذيمة المعروف بالأبرش ، وكان حاذقا وكان قد أشار على سيده جذيمة أن لا يأمن للزباء ملكة الجزيرة فخالعه وقصدها؟؟؟ إجابة لدعوتها إلى زواجه فقتلته فقال قصير : «لا يطاع لقصير أمر» فذهبت مثلا
(٣) يريد بالناصح نفسه ، أى : أنهم أجمعوا على مخالفته حتى شك فى نصيحته