أمرّ منها ما كان حلوا ، وكدر منها ما كان صفوا (١) فلم يبق منها إلاّ سملة كسملة الإداوة (٢) أو جرعة كجرعة المقلة ، لو تمزّزها الصّديان لم ينقع (٣) فأزمعوا عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال (٤) ولا يغلبنّكم فيها الأمل ولا يطولنّ عليكم الأمد ، فو اللّه لو حننتم حنين الولّه العجال (٥) ودعوتم بهديل الحمام (٦) وجأرتم جؤار متبتّل الرّهبان (٧) وخرجتم إلى اللّه من الأموال والأولاد ، التماس القربة إليه فى ارتفاع درجة عنده ، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه ، وحفظها رسله (٨) ، لكان قليلا فيما أرجو لكم
__________________
نصر وضرب ـ أى : تحوطهم بالموت ، وفى رواية ـ وهى الصحيحة ـ «تحدو» بالواو بعد الدال ، أى : تسوقهم بالموت إلى الهلاك ، فكون الفقرة فى معنى سابقتها مؤكدة لها
(١) أمر الشىء : صار مرا ، وكدر كدرا ـ كفرح فرحا ـ وكدر ـ بالضم كظرف ـ كدورة : تعكر ، وتغير لونه ، واختلط بما لا يستساغ هو معه
(٢) السملة ـ محركة بقية الماء فى الحوض ، والاداوة : المطهرة ، وهى إناء الماء الذى يتطهر به ، والمقلة ـ بالفتح ـ حصاة يضعها المسافرون فى إناء ، ثم يصبون الماء فيه ليغمرها ، فيتناول كل منهم مقدار ما غمره ، لا يزيد أحدهم عن الآخر فى نصيبه : يفعلون ذلك إذا قل الماء ، وأرادوا قسمته بالسوية
(٣) التمزز : الامتصاص قليلا قليلا ، والصديان العطشان ، وقوله «لم ينقع» أى : لم يرو
(٤) فأزمعوا الرحيل : أى اعزموا عليه ، يقال : أزمع الأمر ، ولا يقال أزمع عليه ، وجوزه الفراء بمعنى عزم عليه وأجمع ، والمراد من العزم على الرحيل مراعاته والعمل له
(٥) كل أنثى فقدت ولدها فهى واله ووالهة ، والعجال من الابل : التى فقدت ولدها
(٦) هديل الحمام : صوته فى بكائه لفقد إلفه
(٧) جأرتم : رفعتم أصواتكم ، والجؤار : الصوت المرتفع ، أى : تضرعتم إلى اللّه بأرفع أصواتكم كما يفعل الراهب المتبتل ، والمتبتل : المنقطع للعبادة.
(٨) المراد من الرسل هنا الملائكة الموكلون