كالمحبّة والعداوة والإيذاء ، وخزانة الحسّ المشترك الخيال ، وهو قوّة قائمة بآخر تجويف الحسّ المشترك تبقى فيه تلك الصّور بعد غيبتها عن الحسّ المشترك ، فإذا نظرت لزيد أدركت صورته بالبصر ، وتتأدّى تلك الصّورة للحسّ المشترك ، فيدركها ، فإذا غفلت عنها كانت مخزونة في الخيال ، ليرجع الحسّ إليها عند مراجعتها ، وكذا يقال : فيما إذا ذقت عسلا مثلا ، أو لمست شيئا أو سمعت صوتا ، فالحواسّ الظّاهرة كالطّريق الموصل إليه.
وأمّا المفكّرة : فهي قوّة في التّجويف المتوسّط بين الخزانتين تتصرّف في الصّور الخياليّة ، وفي المعاني الجزئيّة الوهميّة ، وفي المعاني الكلّيّة العقليّة ، وهي دائما لا تسكن يقظة ولا مناما ، وإذا حكمت بين تلك الصّور وتلك المعاني ، فإن كان حكمها بواسطة العقل ، كان ذلك الحكم صوابا في الغالب ، وذلك بأن كان تصرّفها في الأمور الكلّيّة ، وإن كان حكمها بواسطة الوهم بأن كان تصرّفها في معان جزئيّة ، أو بواسطة الخيال ، بأن كان تصرّفها في صور جزئيّة ، كان ذلك الحكم كاذبا في الغالب.
فالأوّل : أي بأن كان حكمها بواسطة العقل ، كالحكم على زيد بأنّه إنسان.
والثّاني : أي بأن كان حكمها بواسطة الوهم ، كالحكم على أنّ زيدا عدوّه.
والثّالث : أي بأن كان حكمها بواسطة الخيال كالحكم باستقرار رأس الحمار على جثّة الإنسان ، وكالحكم على الحبل بأنّه ثعبان ، وهي إنّما تسمّى مفكّرة في الحقيقة ، إذا تصرّفت بواسطة العقل ، بأن كان تصرّفها في معان كلّيّة ، أو تصرّفت بواسطة العقل والوهم معا بأن كان تصرّفها في معان كلّيّة وجزئيّة ، وأمّا إن تصرّفت بواسطة الوهم وحده بأن كان تصرّفها في معان جزئيّة ، أو بواسطة الخيال وحده ، بأن كان تصرّفها في صور جزئيّة أو بواسطتها خصّت باسم المتخيّلة أو المتوهّمة ، وإنّما قيّدنا إدراك القوّة العاقلة بقولنا بالذّات ، أي إنّها قوّة قائمة بالنّفس تدرك بالذّات الكلّيّات لأنّها تدرك المعاني الجزئيّة بواسطة الوهم ، وتدرك أيضا الصّور الجزئيّة بواسطة الحسّ المشترك.
والحسّ يدرك المعاني الجزئيّة بواسطة الوهم ، وهو يدرك الصّور الجزئيّة بواسطة الحسّ المشترك ، فإنّ القوى الباطنيّة كالمرائي المتقابلة يرتسم في كلّ واحدة منها ما يرتسم في الأخرى.