وذلك (١) لأنّ العقل يجرّد الجزئيّ (٢) الحقيقيّ عن عوارضه المشخّصة الخارجيّة (٣) ، وينتزع منه المعنى الكلّي (٤) فيدركه على (٥) ما تقرّر في موضعه. وإنّما قال (٦) في الخارج ، لأنّه (٧) لا يجرّده (٨)
________________________________________
(١) أي رفع التّعدّد حاصل بالتّجريد المذكور ، لأنّ العقل باعتبار كونه مجرّدا لا يدرك بذاته الجزئيّ من حيث هو جزئيّ ، بل يجرّده عن العوارض الشّخصيّة في الخارج ، وينتزع منه المعنى الكلّي ، فيدركه ، فمثل زيد كاتب ، وعمرو شاعر ، إذا جرّد كلّ منهما عن المشخّصات الخارجيّة صارا متّحدين ، فيكون حضور أحدهما في المفكّرة حضور الآخر ، فنحو : زيد كاتب وعمرو شاعر ، يقومان مقام قولك : الإنسان كاتب والإنسان شاعر ، فعلم من هذا أنّ الاتّحاد جامع ، سواء كان حقيقيّا أو حكميّا.
(٢) المراد به الجزئيّ الجسمانيّ ، وهو ما يمنع نفس تصوّره من وقوع الشّركة فيه.
لا يقال : إنّ تجريد العقل للجزئيّ المذكور لا يكون إلّا بعد إدراكه والعقل لا يدركه ، لأنّه إنّما يدرك الكلّي أو الجزئيّ المجرّد ، وحينئذ فلا يمكن أن يجرّد الجزئيّ الحقيقيّ ، إذ فيه تجريد الشّيء قبل إدراكه.
فإنّه يقال : إنّ المنفيّ عن العقل إدراكه للجزئيّ المذكور بالذّات ، وهذا لا ينافي إدراكه واستشعاره له بالواسطة ، أي بواسطة الحسّ بأن يقال : إنّ الجزئيّات الجسمانيّة تدرك أوّلا بالحسّ فإذا أدركها الحسّ استشعرها العقل ، ثمّ يجرّدها بعد ذلك عن المشخّصات بواسطة المفكّرة ثمّ يدركها بالذّات.
(٣) أي كالألوان والأكوان المخصوصة والمقدار المخصوص ، والمراد بالخارج هنا ما يعمّ خارج الأعيان ، وخارج الأذهان ، فتدخل الجزئيّات المعدومة.
(٤) أي الماهيّة الكلّيّة كماهيّة الإنسان ، أعني الحيوان النّاطق.
(٥) أي «على» متعلّق بقوله : «يجرّد» ، والمراد بموضعه كتب الحكمة والمنطق.
(٦) أي ، وإنّما قال المصنّف : «في الخارج» ، ولم يقل بتجريده المثلين عن جميع العوارض المشخّصة ، لأنّ العقل لا يجرّد الجزئيّ الحقيقي عن المشخّصات العقليّة.
(٧) أي العقل.
(٨) أي الجزئيّ الحقيقي.