لهم (١) حدّ من الكلام يجري فيما بينهم في المحاورات والمعاملات ، وهذا (٢) معلوم للبلغاء وغيرهم ، فالبناء على المتعارف واضح بالنّسبة إليهما (٣) جميعا وأمّا (٤) البناء على البسط الموصوف ، فإنّما هو معلوم للبلغاء العارفين بمقتضيات الأحوال بقدر ما يمكن لهم ، فلا يجهل عندهم (٥) ما يقتضيه كلّ مقام من مقدار البسط [والأقربّ (٦)]
________________________________________
وحينئذ فمتعارف الأوساط معروف للبلغاء وغيرهم ، ومحدود معيّن عندهم في كلّ حادثة ، وهو اللّفظ الموجود للمعنى الّذي أريد تأديته ، وحيث كان المتعارف محدودا معيّنا فيقاس به ، ويصحّ التّعريف به ، ولا يكون في البناء عليه رد للجهالة ، لوضوحه بالنّسبة للبلغاء وغيرهم.
(١) أي للأوساط حدّ ، فالأوساط مبتدأ وخبره قوله : «لهم حدّ» ، وقوله : «على اختلاف العبارات» ، أي على الإتيان بعبارات مختلفة بالطّول والقصر عند إفادة المعنى الواحد ، وقوله : «والتصرّف» عطف على اختلاف عطف سبب على مسبّب ، أي ولا يقدرون على التّصرف في العبارات بمراعاة النّكات اللطّيفة المعتبرة ، أي الّتي شأنها أن تعتبر.
(٢) أي الحدّ الّذي لا يتعدّى الدّلالة الوضعيّة معلوم للبلغاء وغيرهم.
(٣) أي البلغاء وغيرهم ، وحينئذ لا يكون في البناء على متعارف الأوساط ردّ إلى الجهالة لوضوحه للبلغاء وغيرهم ، وظهر لك ممّا قلناه أنّ القدرة على تأدية المعنى الواحد بعبارات مختلفة في الطّول والقصر ، إنّما هو شأن البلغاء ، بخلاف الأوساط ، فإنّ لهم في إفادة كلّ معنى حدّا معلوما من الكلام ، يجري فيما بينهم يدلّ عليه بحسب الوضع ، ولا قدرة لهم على أزيد من ذلك ولا أنقص.
(٤) أي هذا شروع في جواب الاعتراض الثّاني ، وحاصله إنّ البناء على البسط مقصور على البلغاء ، لا يتجاوزهم إلى غيرهم ، ولا نسلّم عدم معرفة البلغاء لما يقتضيه كلّ مقام عند النّظر فيه ، وحينئذ يكون التّعريف بما فيه البسط الموصوف ليس فيه ردّ للجهالة للعلم بالبسط الموصوف عند البلغاء ، فإذا لا حزازة في التّعريف ، لأنّه لهم وهم عارفون بما يقتضيه المقام.
(٥) أي البلغاء لأنّهم يعرفون ، أي مقام يقتضي البسط ، ويعرفون مقدار البسط في كلّ مقام.
(٦) قد يقال : إنّ التّعبير بالأقرب لا أساس له لوجهين : الأوّل أنّه يدلّ على كون ما ذكره السّكّاكي قريبا إلى الصّواب ، وهذا مناف لغرض المصنّف ، فإنّه شدّد النّكير عليه وبيّن فساده.