هي علم للمنيّة صرفها (١) للضّرورة ، وعدم الفضيلة على تقدير عدم الموت (٢) إنّما يظهر في الشّجاعة والصّبر ، لتيقّن الشّجاع بعدم الهلاك (٣) وتيقّن الصّابر بزوال المكروه (٤) بخلاف الباذل ماله إذا تيقّن بالخلود وعرف احتياجه إلى المال دائما ، فإنّ بذله حينئذ أفضل (٥) ممّا إذا تيقّن بالموت ، وتخليف المال (٦)
________________________________________
للضّرورة ، وهي موافقة القوافي.
والشّاهد في النّدى : حيث إنّه حشو مفسد ، كما بيّنه الشّارح ، وأمّا كونه حشوا لأنّه زائد على أصل المراد من كلامه ، وهو تهوين أمر المنيّة بما تظهره من فضل المكارم الّتي يكمل بها الإنسان ، وأمّا كونه مفسدا فقد بينه الشّارح.
وحاصل ما ذكره الشّارح أنّه لو لا العلم بالموت لما كانت الشّجاعة مع اليقين بالخلود من الفضائل ، لأنّ الشّجاعة معناها إلقاء النّفس في لهوات المنايا فإذا انتفت المنيّة بالفرض انتفت الشّجاعة ، وكذا الصّابر مع تيقّن البقاء والدّوام قاطع تقريبا بتبدّل حاله من عسر إلى يسر ، فيكون الصّبر من كلّ أحد ، فالشّجاعة والصّبر فضيلتان مع القول بالفناء واليقين بالموت ، لما فيهما من الإقدام على الموت والمكروه للنّفس ، ولو كان الإنسان يعلم أنّه مخلّد لما كان له في الشّجاعة فضل ، وأمّا النّدى فبالعكس ، لأنّ الموت سبب يسهل النّدى ، ولا يجعل له فضلا ، لأنّ من علم أنّه يموت جدير بأن يجود بماله ، وأمّا القاطع بالبقاء والخلود إذا بذل ماله ودرهمه كان هو الكريم السّخي إنصافا ، ففضل النّدى إنّما يكون باعتقاد الخلود ، بخلاف الشّجاعة والصّبر فضمّه إليهما في سلك واحد خطاء واشتباه.
(١) أي صرف الشّعوب الشّاعر للضّرورة ، مع كونها ممنوعة من الصّرف لما ذكرناه.
(٢) قوله : وعدم الفضيلة ... ، بيان لمفهوم البيت ، وتقرير لما يرد على قوله : والنّدى ، من كونه حشوا مفسدا للمعنى كما عرفت.
(٣) أي فلا يكون له فضل باقتحامه الدّخول في المعركة ، لاستواء النّاس جميعا في ذلك.
(٤) أي بحسب العادة ، وعدم الهلاك بتلك الشّدّة ، فلا فضل فيه لأنّ النّاس كلّهم إذا تيقّنوا ذلك صبروا حرصا على فضيلة عدم الجزع.
(٥) أي لأنّ الخلود يوجب الحاجة لزيادة المال.
(٦) أي لأنّه جدير بأن يجود بماله ، لأنّ بذله برضاه خير من أنّ يؤخذ منه بقسر ، وإجبار بالموت.