وغاية (١) اعتذاره ما ذكره الإمام ابن جنّي (٢) وهو أنّ في الخلود وتنقّل الأحوال فيه (٣) من عسر إلى يسر ، ومن شدّة إلى رخاء ما يسكّن النّفوس ويسهّل البؤس (٤) فلا يظهر لبذل المال كثير (٥) فضل [و] عن الحشو (٦) [غير المفسد] للمعنى [كقوله (٧) : وأعلم علم (٨) اليوم والأمس قبله] ولكنّني (٩) عن علم ما في غد عمي ، فلفظ قبله ، حشو غير مفسد ،
________________________________________
(١) أي ما يمكن أن يقال في الجواب عن هذا الإشكال في البيت أنّ غاية اعتذاره ، أي الشّاعر ، وقيل إنّ الضمّير عائد على الحشو والكلام ، من باب الحذف والإيصال ، أي غاية الاعتذار عن ذلك الحشو ، بحيث يخرجه عن الفساد ، فحذف الجارّ واتّصل الضّمير بالمصدر.
(٢) أي ما ذكره ابن جني في شرح ديوان المتنبّي ، وحاصل ذلك الاعتذار أنّ نفي الموت ممّا يوجب رجاء الانتقال من عسر إلى يسر ، ومن فقر إلى غنى حسبما جرت به عادة الزّمان الطّويل ، وذلك ممّا يحمل على الكرم لكلّ أحد فينتفي الفضل عن الكرم على تقدير نفي الموت ، لأنّ الإنسان إذا تيقّن الخلود أنفق وهو موقن بالخلف ، لكونه يعلم أنّ الله يخلفه وينقله من حالة العسر إلى حالة اليسر ، بخلاف ما إذا أيقن بالموت ، فإنّه لا يوقن بالخلف لاحتمال أن يأتيه الموت فجأة قبل تغيّر حاله ، وحينئذ فيثبت الفضل للبذل على تقدير وجود الموت.
(٣) أي في الخلود.
(٤) أي الشّدّة.
(٥) أي فضيلة كثيرة كالشّجاعة والصّبر ، فلا يكون النّدى حشوا مفسدا.
(٦) هذا إشارة إلى أنّ قوله : «غير المفسد» عطف على «المفسد» أي احترز بقوله : «لفائدة» عن الحشو غير المفسد للمعنى.
(٧) أي قول زهير بن أبي سلمى من شعراء الجاهليّة.
(٨) مصدر مبيّن للنّوع ، أي أعلم علما متعلّقا بهذين اليومين ، أو أنّه مفعول به بناء على أنّ المراد بالعلم هو المعلوم ، أي أعلم المعلوم ، أي الأمر الواقع في هذين اليومين.
(٩) أي ولكنّني عن علم ما في غد ، أي عن علم الواقع في غد عمي ، أي جاهل ، ومعنى البيت أنّ علمي يحيط بما مضى ، وبما هو حاضر ، ولكنّني جاهل عمّا يقع في المستقبل ، أي لا ادري ماذا يكون غدا ، والشّاهد : في قبله ، حيث يكون حشوا ، أي زائدا على أصل المراد