إتيانهم بسورة من مثله لكونه (١) محالا ، والظّرف أعني قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) متعلّق ب (فَأْتُوا) والضّمير ل (عَبْدِنا) (٢) أو صفة (٣) لسورة ، والضّمير ل (نَزَّلْنا) (٤) أو ل (عَبْدِنا). فإن قلت : لم لا يجوز (٥) على الأوّل أن يكون الضّمير لما نزّلنا؟
________________________________________
(١) أي لكون الإتيان (بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) محالا من جهة أنّ ذلك خارج عن وسعهم وطاقتهم ، فإذا حاولوا بعد سماع الصّيغة ذلك الإتيان ولم يمكنهم ظهر عجزهم.
(٢) فالمعنى حينئذ وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا من شخص مماثل لعبدنا في كونه أميّا لا يكتب بسورة ، فالمأتي منه موجود والمأتي به معجوز عنه.
(٣) عطف على قوله : «متعلّق ب (فأتوا) فلا أي أو الظّرف صفة لسورة ، بعد كونه متعلّقا بمحذوف ، فيكون الظّرف مستقرّا كما أنّه على الأوّل يكون لغوا.
(٤) أي الضّمير (مِنْ مِثْلِهِ) يرجع إلى (مِمَّا نَزَّلْنا) في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا) الآية ، أو يرجع إلى (عَبْدِنا) فيكون المعنى على الأوّل : فأتوا بسورة من وصفها أنّها من مثل ما نزّلنا في حسن النّظم ، وغرابة البيان ، أي من جنسه ، فتكون (من) تبعيضيّة مشوبة ببيان ، وعلى الثّاني : فأتوا بسورة كائنة من مثل عبدنا ، ف (من) على هذا ابتدائيّة ، ويراد على هذا الوجه بمثل عبدنا مثله في مطلق البشريّة ، من غير شرط الأمّيّة لعجز الكلّ ، فالمعجوز عنه على كلا الوجهين هو السّورة الموصوفة بصفة هي كونها من جنس المنزّل ، أو من مثل عبدنا ، ومعلوم أنّ الّذي يفهم من مثل هذا الكلام عند امتناع الإتيان بالمأمور ، أنّ الامتناع لعدم القدرة على الموصوف مع وجوده بوصفه ، كما يقال : ائتني بثوب ملبوس للأمير ، فملبوس الأمير موجود ، وامتنعت القدرة عليه أو لعدم القدرة على الموصوف ، لانتفاء وصفه ، فيلزم امتناع الإتيان به بذلك القيد ، كما يقال : ائتني بثوب قدره أربعون ذراعا ، والفرض أنّه لا ثوب موصوف بهذا الوصف ، وإنّما كان المفهوم من هذا الكلام عند امتناع الإتيان بالمأمور أنّ الامتناع لعدم القدرة على الموصوف مع وجوده بوصفه ، فيفهم أنّ الامتناع لامتناع الوصف ، أو لامتناع تناول الموصوف لعدم القدرة عليه.
(٥) وحاصل الإشكال : هو أن يقال : لم جوّزتم في الضّمير على التّقدير الثّاني وهو كون الظّرف صفة لسورة أن يكون لما نزّلناه ، وأن يكون لعبدنا ، وخصّصتموه على الأوّل بعبدنا ، ولم لا يجوز أيضا أن يكون لما نزّلناه.