المحسوس بالمعقول أن يقدّر المعقول محسوسا ، ويجعل كالأصل لذلك المحسوس على طريق المبالغة (١) وإلّا (٢) فالمحسوس أصل للمعقول ، لأنّ العلوم العقليّة مستفادة من الحواسّ ومنتهية إليها (٣) فتشبيهه (٤) بالمعقول يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعا ، وذلك لا يجوز ، ولما كان من المشبّه والمشبّه به ما لا يدرك بالقوة العاقلة ولا بالحسّ أعني الحسّ الظّاهر مثل الخياليات (٥)
________________________________________
للمبالغة في وضوحه ، كأنّه أصبح محسوسا فيجعل الخلق في المثال المذكور كأنّه أصل للعطر محسوس مثله ، والعطر المحسوس فرعه ، وأضعف منه ، وحينئذ فالتّشبيه واقع بين محسوسين لكن المشبّه محسوس حقيقي ، والمشبّه به محسوس تقديريّ ، وإن كان معقولا حقيقة.
(١) أي يصحّ التّشبيه على طريق المبالغة في المعقول بتنزيله منزلة المحسوس.
(٢) أي وإن لم يقدّر المعقول فلا يجوز التّشبيه به جدّا ، لأنّ المحسوس حينئذ أصل للمعقول ، والتّشبيه حينئذ مستلزم لجعل الفرع أصلا ، والأصل فرعا وهو باطل.
(٣) أي العلوم العقليّة النّظريّة منتهية إلى الحواسّ ، لأنّ العقليّات النّظريّة ترجع بالبرهان إلى الأمور الضّروريّة المستفادة من الحواسّ لئلّا يلزم التّسلسل ـ مثلا حدوث العالم أمر عقلي يدركه العقل بواسطة التّغير ، وهو حسّيّ ، ومطلق البياض والسّواد ونحوهما من الألوان مدرك بالعقل ، لكن بعد انتزاعه من الأفراد من الجزئيّات الخارجيّة المدركة بالبصر ، والإنسان مدرك بالعقل لكن بعد انتزاعه من الأفراد الخارجيّة المحسوسة بالبصر ، وهكذا ، فمن لم يكن له بصر لا يمكن أن يدرك مطلق البياض وغيره من الكلّيّات ، ولذلك قيل من فقد حسّا فقد فقد علما يعني المستفاد من ذلك الحسّ ، فعلمت من هذا أنّ الحواسّ أصل لمتعلّقها ، وهو المحسوس وهو أصل للمعقولات ، فقول الشّارح : «لأنّ العلوم العقليّة مستفادة من الحواسّ» أي بواسطة المحسوس الّذي تعلّقت به الحواسّ.
(٤) أي فتشبيه المحسوس كالعطر ـ مثلا ـ بالمعقول ، أي كخلق الرّجل الكريم يكون جعلا للفرع أصلا ، والأصل فرعا ، وبعبارة أخرى إذا كان المحسوس أصلا للمعقول في الوضوح ، فتشبيه المحسوس بالمعقول مستلزم لجعل ما هو أصل في الوضوح ، أعني المحسوس فرعا ، وما هو فرع فيه أصلا ، وذلك لا يجوز أي الجعل المذكور غير جائز.
(٥) جمع خياليّ ، والمراد به هنا المركّب المعدوم الّذي تخيّل تركّبه من أجزاء موجودة في