على حذف الجار وإيصال (١) الفعل ، أي أبرقت لقوم عطاش جمع عطشان [غمامة فلمّا رأوها اقشعّت وتجلت (٢)] أي تفرقت وانكشفت (٣) ، فانتزاع وجه الشّبه من مجرّد قوله : كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ، خطأ [لوجوب انتزاعه من الجميع] أعني جميع البيت. [فإنّ المراد التّشبيه] أي تشبيه الحالة المذكورة في الأبيات السّابقة بحالة ظهور غمامة للقوم العطاش ، ثمّ تفرّقها وانكشافها وبقائهم متحيّرين (٤)
________________________________________
(١) أي إيصال الفعل للمفعول وهو «قوما».
(٢) إعراب البيت «كما» في قوله : «كما أبرقت» ، الكاف حرف تشبيه وجار ومجرور وما مصدريّة ، «أبرقت» فعل ماض ، «غمامة» فاعله و «قوما عطاشا» مفعوله ، «فلمّا» الفاء حرف عطف ولما حرف تستعمل استعمال إذ ، «رأوها» فعل وفاعل ومفعول ، والجملة بمنزلة فعل شرط لما «اقشعّت» فعل وفاعل ، «وتجلّت» فعل وفاعل ، والجملة عطف على سابقتها ، والمجموع جواب لمّا ، والجملة عطف على أبرقت وهي مؤوّلة بالمصدر بالكاف متعلّق بمقدّر خبر لمبتدأ محذوف ، أي حالهم كحال إبراق الغمامة لقوم عطاش.
والشّاهد في البيت كونه مشتملا على تشبيه يكون وجه الشّبه فيه مركّبا من عدّة أمور مذكورة في الشّطر الأوّل والثّاني إلّا أنّه ربّما يتخيّل أنّه منتزع من الشّطر الأوّل فقطّ ، فيقع الخطأ ، ثمّ إنّ الطّرفين في البيت أيضا مركّب ، فإنّ الهيئة المنتزعة من الشّطرين الأوّلين قد شبّهت بالهيئة المنتزعة من الشّطرين الثّانيّين ، ووجه الشّبه هي الهيئة المنتزعة من هاتين الهيئتين الشّاملة لهما.
(٣) المراد من الانكشاف هو التّفرق ، فيكون العطف تفسيريّا.
(٤) وحاصل الكلام في المقام أنّ الشّاعر قصد تشبيه الحالة المذكورة قبل هذا البيت ، وهي حال من ظهر له شيء وهو في غاية الحاجة إلى ما فيه ، وبمجرّد ظهور ذلك الشّيء انعدم وذهب ذهابا ، أوجب اليأس ، أي قصد الشّاعر تشبيه حاله بحال قوم تعرّضت لهم غمامة وهم في غاية الاحتياج إلى ما فيها من الماء ، لشدّة عطشهم ، وبمجرّد ما تهيّؤوا للشّرب منها تفرّقت وذهبت ، فإذا سمع السّامع قول الشّاعر : «كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ، وتوهّم أنّ ما يؤخذ منه يكفي في التّشبيه ، كان ذلك خطأ ، لأنّ المأخوذ منه أنّ قوما ظهرت لهم غمامة ، وأنّ تلك الغمامة رجوا منها ما يشرب وأنّهم في غاية الحاجة لذلك الماء لعطشهم ، فإذا انتزع ذلك