وفيه (١) نظر ، لأنّا إذا قلنا : الجبان كالأسد في التّضادّ ، أي في كون كلّ منهما مضادّا للآخر ، لا يكون هذا من التّمليح والتّهكّم في شيء ، كما إذا قلنا : السّواد كالبياض في اللّونيّة أو في التّقابل. ومعلوم (٢) أنّا إذا أردنا التّصريح بوجه الشّبه في قولنا للجبان : هو أسد ، تمليحا أو تهكّما (٣) لم يتأتّ (٤) لنا إلّا أن نقول في الشّجاعة ، لكنّ (٥) الحاصل في الجبان إنّما هو ضدّ الشّجاعة ، فنزّلنا تضادّهما منزلة التّناسب ، وجعلنا الجبن بمنزلة الشّجاعة على سبيل التّمليح والهزؤ.
________________________________________
(١) أي فيما سبق إلى بعض الأوهام من أنّ وجه الشّبه في المثالين المذكورين هو التّضاد المشترك نظر ، وجه النّظر ما أشار إليه بقوله : «لا يكون هذا» ، أي قولنا : الجبان كالأسد ، من التّمليح والتّهكّم في شيء ، أي وحينئذ لا حاجة لقول المصنّف : «ثمّ ينزّل منزلة التّناسب» ، بل لا معنى له أصلا ، لأنّه خلاف الواقع ، لأنّ الواقع المفروض أنّ وجه الشّبه هو التّضاد من دون تنزيله منزلة التّناسب.
(٢) هذا ردّ آخر لما سبق لبعض الأوهام ، وحاصله أنّ وجه الشّبه يصحّ التّصريح به ، والتّضادّ لا يصحّ التّصريح به في قولك تمليحا أو تهكّما للجبان هو كالأسد ، إذ لو قلت : هو كالأسد في التّضادّ لخرجت عن مقام التّمليح والتّهكّم.
(٣) أي لقصد التّمليح والتّهكّم.
(٤) أي لم يحصل التّصريح لنا إلّا أن نقول في الشّجاعة ، أي في لفظ الشّجاعة ، أي هو أسد في الشّجاعة.
(٥) دفع لما يرد من أنّ وجه الشّبه ما يشترك فيه الطّرفان والجبان ليس بشجاع ، فلا اشتراك هنا فكيف صحّ جعل الشّجاعة وجه الشّبه.
وحاصل الدّفع إنّا نزّلنا تضادّهما منزلة تناسبهما ، وجعلنا الجبن بمنزلة الشّجاعة ، فالجبان شجاع تنزيلا ، فجاء الاشتراك وصحّ جعل الشّجاعة وجه الشّبه ، هذا تمام الكلام في وجه الشّبه ، بقي الكلام في أداته والغرض منه وأقسامه.
هذا تمام الكلام في الجزء الثّالث ويليه الجزء الرّابع إن شاء الله.