هدى [(لِلْمُتَّقِينَ) (١)] أي الضّالّين الصّائرين إلى التّقوى ، [فإنّ (٢) معناه أنّه] أي الكتاب [في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها] أي غايتها ، لما (٣) في تنكير (هُدىً) من الإبهام والتّفخيم [حتّى كأنّه هداية محضة (٤)] حيث (٥) قيل هدى ولم يقل هاد [وهذا (٦) معنى (ذلِكَ الْكِتابُ) لأنّ معناه (٧) كما مرّ (٨) الكتاب الكامل ، والمراد (٩)
________________________________________
(١) والمراد بهم المتّقون بالقوّة ، أي هو هدى للضّالّين الصّائرين إلى التّقوى والمشرفون عليه ، فلا يرد أنّه لا معنى لكون القرآن هاديا للمتّقين ، فإنّهم المهديّون ، فلو تعلّق بهم الهداية لزم تحصيل الحاصل ، فإرادة المشرفين على التّقوى من المتّقين يكون من باب مجاز الأوّل.
(٢) هذا من المصنّف تعليل لكون هو هدى للمتّقين تأكيدا لفظيّا ل (ذلِكَ الْكِتابُ) ، أي إنّما كان الأمر كذلك ، لأنّ الثّانية متّحدة مع الأولى في المعنى ، لأنّ معناه «أنّه» أي الكتاب «في الهداية» متعلّق بقوله : «بالغ».
(٣) علّة لقوله : «فإنّ معناه ...» وحاصل الكلام إنّ قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) تأكيد لفظيّ ل (ذلِكَ الْكِتابُ) أي إنّما كانت هذه الجملة تأكيدا لفظيّا لهذه الجملة الّتي قبلها لاتّحادهما في المعنى. ثمّ تفسير الشّارح الكنه بالغاية ، حيث قال : «أي غايتها» ، إشارة إلى أنّ المراد بالكنه ليس الحقيقة لمنافاته لقوله بعد ذلك «حتّى كأنّه هداية محضة».
وجه المنافاة : إنّ الكنه بمعنى الحقيقة لا يدرك ، فكيف يحكم بأنّه كأنّه هداية محضة؟! لأنّ ذلك لا يتفرّع إلّا على إدراك حقيقته لا على عدم إدراكها.
نعم ، لا مانع من التّفريع على عدم معرفة منتهاه مع درك أصل الحقيقة في الجملة.
(٤) أي كقولنا : زيد عدل ، حيث جعل المصدر خبرا ، لا اسم فاعل ، ولم يقل هاد للمتّقين.
(٥) الحيثيّة للتّعليل.
(٦) أي كون الكتاب بالغا في الهداية درجة لا يدرك كنهها.
(٧) أي المعنى الّذي يكون مرادا بالإرادة الجدّيّة.
(٨) في أحوال المسند.
(٩) جواب عن سؤال مقدّر تقريره : إنّ كون معنى (ذلِكَ الْكِتابُ) الكتاب الكامل لا يثبت ما هو المطلوب من اتّحاد الجملتين معنى ، لأنّ معنى الأولى إثبات الكمال له من دون التّقييد بالهداية ومعنى الثّانية أنّه الكامل في الهداية ، والمغايرة بين الطّبيعة المطلقة والطّبيعة المقيّدة