وحاول بعضهم التّوفيق بين الكلامين (١) بحمل كلام صاحب المفتاح على القلب ، أي ظهور ظلمة اللّيل من النّهار (٢) ، أو بأنّ المراد من الظّهور التّمييز (٣) أو بأنّ الظّهور بمعنى الزّوال (٤) كما (٥) في قول الحماسي : وذلك عار يابن ربطة ظاهر. وفي قول أبي ذؤيب : وتلك شكاة (٦) ظاهر عنك عارها ، أي زائل ، وذكر العلّامة (٧) في شرح المفتاح إنّ السّلخ قد يكون بمعنى النّزع مثل : سلخت الإهاب عن الشّاة ، وقد يكون بمعنى الإخراج نحو : سلخت الشّاة عن الإهاب ، فذهب صاحب المفتاح إلى الثّاني (٨) ،
________________________________________________________
(١) أي كلام المصنّف القائل بأنّ المستعار له كشف الضّوء وإزالته عن مكان ظلمة اللّيل ، كلام السّكاكى القائل بأنّ المستعار له ظهور النّهار من ظلمة اللّيل ، وحاصل ما ذكره ذلك البعض أوجه ثلاثة يحصل بكلّ منها التّوفيق.
(٢) أي هذا قلب لقوله : «ظهور النّهار من ظلمة اللّيل» ، هذا هو الوجه الأوّل.
(٣) أي هذا إشارة إلى الوجه الثّاني ، ومن في كلام المفتاح بمعنى عن ، والمعنى أنّ المستعار له تمييز النّهار عن ظلمة اللّيل ، والواقع بعد تمييز النّهار عن ظلمة اللّيل هو الإظلام.
(٤) أي هذا هو الوجه الثّالث ، فمعنى العبارة أنّ المستعار له زوال ضوء النّهار عن ظلمة اللّيل ، فيصحّ (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) ، وهذه الوجوه لا تخلو عن الإشكال ، تركناه رعاية للاختصار.
(٥) أي كالظّهور الّذي في قول الشّاعر الحماسي ، فإنّه بمعنى الزّوال ، وصدر هذا البيت : أعيّرتنا ألبانها ولحومها.
(٦) أي الشّكاة مصدر بمعنى الشّكاية ، وكأنّه يقول : وتلك شكاية زائل عنك عارها ، فالظّاهر في كلا البيتين بمعنى الزّائل.
(٧) أي هذا إشارة إلى وجه رابع لتصحيح كلام المفتاح ، ودفع الإشكال الوارد عليه من غير احتياج لدعوى قلب في كلامه ، ولا تأويل الظّهور في كلامه بالتّمييز أو الزّوال ، لأنّ الكلام إنّما هو مسوق لهذا صريحا.
(٨) أي إنّ السّلخ بمعنى الإخراج تبعا لعبد القاهر ، وذهب المصنّف إلى الأوّل ، لأنّه قال : فإنّ المستعار منه كشط الجلد ، أي نزعه عن نحو الشّاة فيصير المعنى على ما ج ذهب إليه صاحب المفتاح ، إنّ علامة قدرة الله إخراج ضوء النّهار من ظلمة اللّيل ، فإنّ المستعار له هو ظهور النّهار ، بمعنى إخراج ضوء النّهار من ظلمة اللّيل.