والفرق (١) بين المركّب والمفرد المقيّد أحوج شيء إلى التّأمل ، فكثيرا ما يقع الالتباس. [وإمّا تشبيه مركّب بمفرد ، كقوله (٢) : يا صاحبيّ تقصّيا (٣) نظريكما]
________________________________________________________
(١) اعلم أنّ الفرق من حيث المفهوم واضح ، لا خفاء فيه ، لأنّ المركّب هيئة منتزعة من أمور متعدّدة ، كالأعلام الياقوتيّة المنشورة على الرّماح الزّبرجديّة ، والمفرد المقيّد أمر واحد اعتبر تقيده بشيء كالرّاقم المقيّد بكون رقمه على الماء ، فالمقصود بالذّات في المركّب هي الهيئة المنتزعة ، والأجزاء الّتي انتزعت منها ملحوظة على نحو الآليّة ، ولغرض التّوصل بها إلى تلك الهيئة ، هذا بخلاف المقيّد فإنّ أحد الأجزاء فيه مقصود بالذّات والباقي بالتّبع ، هذا أمر واضح بحسب المفهوم ، وإنّما الخفاء في الفرق بينهما بحسب المصداق بأن يشخّص أنّ هذا مركّب وذاك مفرد مقيّد ، حيث إنّ التعدّد معتبر في كلّ منهما ، فتعيين أنّ هذه الأمور المتعدّدة ملحوظة تبعا والمقصود بالأصالة هي الهيئة ، أو تلك الأمور المتعدّدة أحدها ملحوظ قصدا والباقي تبعا في غاية العسر.
ولا يمكن تشخيص أحد الوجهين عند التّردّد من ناحية التّركيب اللّفظي ، لاستوائه فيهما ، إذ قد ذكرنا أنّ المعتبر في المقيّدان يذكر القيد لفظا ، فليس في المقام ما يرجع إليه عند التّردّد إلّا الذّوق السّليم ، وصفاء القريحة ، فلا بدّ من المراجعة إليه ، فإن كان حاكما بوجود الحسن في جعل المشبّه أو المشبّه به على نحو منع الخلّو هيئة منتزعة نلتزم بالتّركيب ، وإن كان حاكما بحسن جعل أحدهما أو كليهما مفردا مقيّدا نلتزم بالتّقييد ، وعند عدم تشخيص أحد الوجهين بالذّوق يحكم بالإجمال.
(٢) أي قول أبي تمّام من قصيدة يمدح بها المعتصم.
(٣) «تقصّيا» بالقاف والصّاد المهملة المشدّدة والياء ، أمر بصيغة التّثنيّة من تقصّيته ، أي بلغت أقصاه ، أي نهايته ، «تريا» مخاطب من الرّؤيّة ، «تصوّر» أصله تتصوّر حذفت إحدى التّائين تخفيفا ، «مشمسا» بصيغة اسم الفاعل بمعنى ذا شمس لم يستره غيم ، «شابه» بالشّين المعجمة والموحّدة ماض من الشّوب بمعنى الخلطة ، «الزّهر» بالزّاء المعجمة والرّاء المهملة كفرس مصدر زهر القمر ، كفرح وكرم ، وأراد به هنا النّباتات مطلقا ، «الرّبا» بضّمّ الرّاء المهملة وفتح الموحّدة مقصورا ، جمع ربوة وهي المكان المرتفع من الأرض.