أي يشرب الكأس بكفّ الجواد ، انتزع منه جوادا يشرب هو بكفّه على طريق الكناية ، لأنّه إذا نفي عنه الشّرب بكفّ البخيل فقد أثبت له الشّرب بكفّ كريم ، ومعلوم أنّه يشرب بكفّه فهو ذلك الكريم. وقد خفي هذا (١) على بعضهم فزعم أنّ الخطاب إن كان لنفسه فهو تجريد ، وإلّا فليس من التّجريد في شيء ، بل كناية عن كون الممدوح غير بخيل.
________________________________________________________
وبعبارة أخرى أطلق اسم الملزوم الّذي هو نفي الشّرب بكف البخيل على اللّازم وهو الشّرب بكف الكريم ، وذلك لأن المخاطب أي الممدوح لما تحقّق له الشّرب في نفس الأمر لكونه من أهل الشّرب ، ولم يكن شربه بكفّ بخيل فقد كان بكفّ كريم لا محالة إذ لا واسطة بينهما.
(١) أي هذا المعنى الّذي بينّاه من أنّه انتزع من الممدوح جوادا آخر يشرب الممدوح كأسا أي إناء من خمر بكفّ هذا الجواد الآخر قد خفي هذا المعنى على بعضهم «فزعم أن الخطاب» في قوله : يا خير من يركب المطي «إن كان لنفسه» أي لنفس الشّاعر «فهو تجريد» لأنّه انتزع من نفسه شخصا آخر فجعله أمامه وخاطبه وإذا كان هذا تجريدا فيكون قوله : ولا يشرب كأسا بكف من بخلا ، كناية عن الكريم ، ووصفا لمن جعله أمامه وخاطبه ، لأنّ التّجريد وقع أوّلا في قوله يا خير من يركب المطي «وإلّا» أي وإن لم يكن الخطاب لنفسه أي وإن لم ينتزع من نفسه شخصا آخر حتّى يكون ذلك تجريدا «فليس» قوله ولا يشرب كأسا بكفّ من بخلا «من التّجريد في شيء وإنّما هو كناية عن كون الممدوح غير بخيل»
والحاصل أنّ البعض زعم أنّ جعل قوله : ولا يشرب كأسا بكفّ من بخلا ، تجريدا بطريق الكناية غير صحيح ، لأنّ الخطاب في قوله : يا خير من يركب المطي إن كان لنفسه فهو تجريد ، لأنّه جعل نفسه شخصا آخر أمامه فخاطبه بقوله : يا خير من يركب المطي ، وإذا كان هذا تجريدا فقوله : ولا يشرب كأسا بكفّ من بخلا كناية عن الكريم فيكون وصفا لذلك الشّخص المنتزع أعني المخاطب ولا تجريد في هذه الكناية بل وقع التّجريد قبلها ، والكلام إنّما هو في كون الكناية نفسها متضمّنة للتّجريد ولم يوجد على هذا وإن كان الخطاب لغيره كان قوله ولا يشرب كأسا بكفّ من بخلا كناية عن الكريم الّذي هو ذلك المخاطب فليس من التّجريد في شيء.