قلنا (١) : لا ينافي التّجريد ، على ما ذكرنا (٢).
[وقيل تقديره أو يموت منّي كريم] فيكون من قبيل ـ لي من فلان صديق حميم (٣) ـ ولا يكون قسما آخر.
[وفيه نظر (٤)] لحصول التّجريد وتمام المعنى بدون هذا التّقدير (٥).
[ومنها (٦)] ما يكون بطريق الكناية (٧) [نحو قوله :
يا خير من يركب المطي ولا |
|
يشرب كأسا بكف من بخلا (٨)] |
________________________________________________________
(١) أي قلنا : الالتفات لا ينافي التّجريد.
(٢) أي على ما ذكرنا من تعريف التّجريد فإنّه يقتضي أنّه يجامعه الالتفات إذ المراد بالاتّحاد في الالتفات ، الاتّحاد في نفس الأمر لا الاتّحاد فيه ، وفي الاعتبار والمراد بالتعدّد في التّجريد التعدّد بحسب الاعتبار لا في نفس الأمر أيضا حتّى ينافي الالتفات.
(٣) أي فيكون مثله من جهة أنّ من داخلة على المنتزع منه في كلّ واحد منهما.
(٤) أي في هذا القبيل نظر.
(٥) ومن المعلوم أنّ تقدير شيء زائد في الكلام إنّما يحتاج إليه عند عدم تمام المعنى بدونه ، وإنّما كان هذا الكلام يفهم منه أنّ المتكلّم جرّد من نفسه كريما آخر بلا تقدير المجرور بمن لأنّه عادل بين كونه يحوي الغنائم أو يموت الكريم ، والجاري على الألسن أن يقال لا بدّ لي من الغنيمة أو الموت ، فيفهم منه أنّ المراد بالكريم نفسه والمدح المستفاد من التّعبير بلفظ الكريم يقتضى المبالغة المصحّحة للتّجريد.
(٦) أي ومن أقسام التّجريد.
(٧) الّتي هي عبارة عن ذكر اللازم وإرادة الملزوم أو بالعكس على ما مرّ في علم البيان.
(٨) كناية عن المراد وهو شرب الكأس بكفّ الجواد فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هو الكأس بكفّيه على طريق الكناية ، لأنّه إذا نفى عنه الشّرب بكفّ البخيل فقد أثبت له الشّرب بكفّ كريم ، ومعلوم أنّه يشرب بكفّه فهو ذلك الكريم الآخر الّذي يشرب هو الكأس بكفّه.
والحاصل أنّه قد انتزع من المخاطب أي من الممدوح كريما آخر وكنّى عن شربه بكفّه بنفي الشّرب بكف البخيل.