وهي (١) (دارُ الْخُلْدِ) لكنّه انتزع منها دار أخرى (٢) وجعلها معدة في جهنّم لأجل الكفّار تهويلا (٣) لأمرها ، ومبالغة في اتّصافها بالشّدّة (٤). [ومنها (٥)] ما يكون بدون توسّط حرف [نحو قوله (٦) : فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة تحوى] أي تجمع [الغنائم (٧) أو يموت (٨)] منصوب بإضمار أن إلّا أن يموت [كريم (٩)] يعني نفسه ، انتزع من نفسه كريما مبالغة في كرمه. فإن قيل : هذا من قبيل الالتفات (١٠) من التّكلّم إلى الغيبة.
________________________________________________________
(١) أي جهنّم نفسها (دارُ الْخُلْدِ).
(٢) حاصله : أنّه بولغ في اتّصافها بكونها دارا ذات عذاب مخلّد حتّى صارت بحيث تفيض يصدر عنها دار أخرى مثلها في الاتّصاف بكونها دارا ذات عذاب مخلّد فكأنه قيل ما أعظم تلك الدّار في لزومها لهم وعدم انفكاك عذابها عنهم وكونها لا تضعف مع طول الخلود ولا تفنى بقصر الأعوام حتّى أنّها تفيض دارا أخرى مثلها في اللزّوم وقوّة العذاب بلا ضعف مع التّخليد.
(٣) علّة لانتزاع الدّار الأخرى منها.
(٤) أي بشدّة العذاب فإنّ المبالغة في الخلود يوجب شدّة العذاب.
(٥) أي من أقسام التّجريد «ما يكون بدون توسط حرف» من الحروف.
(٦) أي قول قتادة بن مسلمة الحنفي.
(٧) هذه الجملة صفة غزوة.
(٨) منصوب بأن المصدريّة المضمرة كأنّه قال : إلّا أن يموت.
(٩) فاعل يموت يعني بالكريم نفسه ، والشّاهد فيه فكأنّه انتزع من نفسه كريما آخر مبالغة في كرمه.
(١٠) وحينئذ فلا يكون من قبيل التّجريد ، لأنّ الالتفات مبنيّ على الاتّحاد ، والتّجريد مبنيّ على التعدّد ، وهما متنافيان ، وذلك لأنّ المعبّر عنه في الالتفات بالطّريق الأوّل والثّاني واحد ، والمعبّر عنه باللّفظ الدّالّ على المنتزع منه باللّفظ الدّالّ على المنتزع متعدّد بحسب الاعتبار إذ بقصد أنّ المجرّد شيء آخر غير المجرّد منه.